للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أصاحب قرناء سوء منذ مدة ولم أتأثر بهم]

السؤال

أنا شاب في العشرين من عمري، ومنذ خمس سنوات وحتى هذا الوقت أجلس مع أصدقاء يلعبون الورق، ولا يحافظون على الصلاة، ويشربون الدخان، ولكني -ولله الحمد- أحافظ على الصلاة في وقتها، وبارٌ بوالدي، وأؤدي معهم كل واجب علي في الإسلام، ولكني أجلس معهم فقط مجرد جلوس؛ لأنه لا يوجد لدي أصدقاء غير هؤلاء؟

الجواب

أخي السائل! أقول: ثبتك الله على استقامتك ودينك وصلاحك، ولكن أقول لك كما قال الشاعر:

لما رأت أختها بالأمس قد خربت صار الخراب لها أعدى من الجرب

يقول العوام: (من بار الأجرب على الحول يجرب) لاشك أنك ستتأثر، السنة الأولى طيب ومطيع لوالديك، لكن السنة الآتية تقل صلاتك، وتقل طاعة والديك فتتأثر قليلاً قليلاً حتى تصبح-والعياذ بالله- من عداد الفاسدين، لا تخالط الأشرار ثقةً بنفسك أبداً، إنما ثق بالله واسأله الثبات، وخالط الأخيار الذين يعينونك كما قال الله سبحانه وتعالى لنبيه: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الكهف:٢٨].

لما طمع صلى الله عليه وسلم في إسلام صناديد قريش لـ أبي جهل، الوليد بن المغيرة، وعقبة بن أبي معيط وكبار القبائل في قريش، طمع صلى الله عليه وسلم فيهم وفي إسلامهم، وكأنه انشغل قليلاً عن بلال الحبشي وسلمان الفارسي وصهيب الرومي، وغيرهم أنزل الله عليه قوله وهو رسول الله المعصوم: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الكهف:٢٨].

الزم هؤلاء، جالسهم، خالطهم، تأثر بهم واستفد منهم أيها الشاب، ينبغي أن تتأثر بالطيبين الصالحين؛ لأنك لا شك سوف تتأثر إذا علمت أن الإنسان قد يختم له بخاتمة السوء -والعياذ بالله- بسبب المجالسة السيئة، فـ أبو طالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم كان بالإمكان -وقد جرى القلم فيما جرى به، وكتب في اللوح ما كتب فيه- كان بالإمكان أن يموت على ملة إبراهيم على دين الإسلام، لكن جلساؤه وما سبق له من الخاتمة -والعياذ بالله- لما أن جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرسول يعرف معروف عمه أبي طالب عليه؛ لأنه حماه ورحمه ورأف به مما يفعل به المشركون أعداء الدعوة، فكان أن رأى النبي صلى الله عليه وسلم من واجبه أن يدعو عمه، فجاء إلى عمه -وقد كان مريضاً مرض الموت- قال: (يا عم! كلمة واحدة أحاج لك بها عند الله، قل: لا إله إلا الله) فقال الصناديد الكبار من قريش: أتترك دين الآباء والأجداد يا أبا طالب؟! ورسول الله يترجاه، ويتمناه، ويدعوه (يا عم! كلمة واحدة أحاج لك بها عند الله، قل: لا إله إلا الله)، وهم يقولون: أتترك دين الآباء والأجداد يا أبا طالب؟! حتى فاضت روحه، وقال قبل أن يموت: هو على ملة عبد المطلب، يعني: أبو طالب قال عن نفسه أنه مات على ملة عبد المطلب، ملة الأصنام والأوثان عياذاً بالله، فهذا هو أثر الجلساء، والجلساء لهم خطر عظيم.

ثم يا أخي! لو فرضنا وسلمنا تسليماً جازماً أنك لن تتأثر بهؤلاء الذين يشربون الدخان، ويتهاونون في الصلاة، وقتك أين يذهب؟ ألست مسئولاً أمام الله عن وقتك: (لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن شبابه فيما أبلاه، وعن عمره فيما أفناه، وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه) شبابٌ فيما أبليته، وعمرٌ فيما أفنيته، ماذا تقول عند ربك حينما يسألك ويسائلك؟، تقول: يا رب! جلست معهم وهم يلعبون الورق، تقول: يا رب! جلست معهم وهم يدخنون، هذا جواب! هل يسرك أن تلقى الله بعمل كهذا؟! هل يسرك أن تموت وأنت على صحبة المدخنين والفساق؟! أسأل الله لي ولهم الهداية؛ لأن من كان مصراً على المعصية لاشك أنه فاسق، لكن من ارتكبها وهو يريد التوبة، أو عزم على التوبة، فنسأل الله لنا وله الهداية، الوقت أثمن من ذلك كله، ومن أنت حتى لا تتأثر؟ كما قلنا آنفا: من هو الذي لا يتأثر؟، إذاً فلابد أن تنتبه، ثم أيضاً ما هي النتيجة؟ اعرض عقلك، ناقش نفسك حينما تأوي إلى الفراش، اجلس يوماً مع العلماء والرجال حتى إذا لم تجد من العلماء من تجلس معه، اجلس مع كبار السن من الرجال أهل الشهامة والمروءة، فتجد أنك قد تعلمت منهم أحاديث فيها عبر، وتعلمت منهم طباعاً حميدةً يحمدك الناس بها، وليس الحمد هو المقصود، لكن تبدو في فعالك ومعاملاتك، لكن اجلس مع هؤلاء، أقل الأحوال تأوي إلى فراشك وثيابك كلها رائحة دخان، أقل الأحوال تعود إلى بيتك وأولادك قد ألفوا منك رائحة الدخان، فمادام والدهم يجالس الذين يدخنون، فنحن -الأولاد- من باب أولى نجالس المدخنين، لأن والدنا يجالسهم، ثم بعد ذلك إذا لم تتأثر أنت، أولادك يتأثرون، مادام أنك لا ترفع نفسك عن مستوى أولئك، وتجعلهم يدخلون في بيتك، ويشربون الدخان في دارك وأولادك ينظرون، فلا غرابة أن يذهب أحد أولادك ويجلس في بيوت الذين يدخنون، ويجلس في بيوت الذين يلهون، والأمر في النهاية مضرة عليك، وعلى أولادك، وهذا سؤالٌ وجيه جداً، وأسأل الله أن تكون الإجابة شافية.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.