للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حرمة إيذاء الجار]

جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه أبو هريرة رضي الله عنه، قال: (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل: من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه) متفق عليه.

والبوائق: جمع بائقة، وتدخل في معنى الجائحة والضرر والمصيبة والأذى، فأي شيء أعظم من نفي الإيمان عن جارٍ يخشى جاره أن يدركه الضرر أو يلحقه الأذى بسبب جواره، وأي بلاء وأي مصيبة أعظم من نفي الإيمان عن جارٍ لا يأمن جاره بوائقه؟! وما أكثر الجيران في هذا الزمان الذين لا تؤمن بوائقهم، وأقول لكم وهي علامة متميزة واضحة: إن جارك الذي لا تطمئن له، ولا تأمن بائقته لو فتشت حقيقة الأمر؛ لوجدته من الذين لا يؤدون حقوق الله جل وعلا، فمن ضيع حقوق الله، فلا غرابة أن يضيع ويتهاون ويتساهل بحقوق غيره من الجيران وغيرهم: (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه).

وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يؤذ جاره) إذاً فكف الأذى عن الجار دليل وعلامةٌ من علامات الإيمان بالله جل وعلا، الذي أوصى بالجار نصاً وصراحةً، والذي جعل حقوق الجار والقيام بها من تمام الإيمان به، حيث قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فليقل خيراً أو ليسكت).

فما بالكم بجارٍ يؤذي جاره، ولا يكف الكلام والأذى عنه، بل لا يسلم منه، وكثيراً ما يقع في عرضه وفي شتيمته وفي سبابه، نسأل الله جل وعلا أن يعيذنا وإياكم من جار السوء.

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير الأصحاب عند الله تعالى خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله تعالى خيرهم لجاره) رواه الترمذي وقال: حديث حسن.

فاعلموا يا معاشر الأحباب! أن الفضيلة والكرامة والفضل والبر والمعروف، أن يقدم الإنسان الخير والفضل والإحسان إلى جاره، فإن لم يكن؛ فلا أقل من أن يسلم من شره، وكان صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من جار السوء، ويقول: (اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دارٍ مقامة) جار المقام والبقاء هو جار أمامك وفي وجهك، صباحاً ومساءً، وليلاً ونهاراً، أنت تخرج وهو بالقرب من زوجتك، وهو بالقرب من أطفالك، وهو بالقرب من أموالك، وهو بالقرب من أهل بيتك، فما حالك في جارٍ لا تأمنه على نفسك وذريتك وأهلك؟ فما حالك في جارٍ تخشى على أهلك حين تغادر بيتك منه؟ إذاً فهو من الذين لا يطمئن لهم وهو الذي قال فيهم صلى الله عليه وسلم في الحديث: (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن من لا يؤمن جاره بوائقه) (جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو جاره، فقال له: اذهب فاصبر -وفي هذا حثٌ على الصبر على أذى الجار- فأتاه مرةً أخرى فقال: اذهب واصبر.

حتى جاءه في الثالثة يشتكي أذى جاره، فقال صلى الله عليه وسلم: اذهب فاطرح متاعك في الطريق -القِ متاعك في قارعة الطريق- ففعل، فجعل الناس يمرون ويسألونه: ما بالك؟ ما الذي أصابك؟ لم تجعل متاعك في قارعة الطريق؟ فيخبرهم خبر جاره يقول: إن جاري يؤذيني، فجعل الناس يلعنونه، وبعضهم يدعو عليه، فجاء جاره إليه، فقال: ارجع متاعك إلى بيتك، فإنك لن ترى شيئاً تكرهه مني أبداً).

أراد بذلك صلى الله عليه وسلم أن يبين أن الناس تلعن وتبغض وتدعو على من يؤذي جاره، بهذه الواقعة التي بلغ من أذى الجار فيها ما بلغ حتى جاء يشتكي إلى رسول الله مراراً، ووجهه إلى أن يلقي متاعه على قارعة الطريق؛ حتى يرى الناس هذا الأذى، ولكي يرى جار السوء ذلك، ولكي يرى أن الناس يدعون عليه، ويمقتون فعله هذا.

فاستخدم مثل هذه الطريقة لكي يبين خطر وعظم وسوء الجوار، وفي الحديث الذي يرويه أبو هريرة رضي الله عنه: (جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! فلانةٌ تصوم النهار وتقوم الليل، وتتصدق بالأتوار من الأقط، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، فقال صلى الله عليه وسلم: هي في النار) انظروا إلى عظم سوء الجوار، كيف محق بركة الأعمال من قيام الليل وصيام النهار والصدقات، وجعل ذلك لا ينفعها بما كسبت وجنت يداها من سوء الجوار، وروي عنه صلى الله عليه وسلم: (من أغلق بابه دون جاره خوفاً على أهله وماله، فليس ذلك بمؤمن، وليس بمؤمن من لا يأمن جاره بوائقه، أتدري ما حق الجار؟ إذا استعانك فأعنه، وإذا استقرضك فأقرضه، وإذا افتقر عدت عليه بالمال، وإذا مرض عدته، وإذا أصابه خيراً هنأته، وإذا أصابته مصيبة عزيته، وإذا مات اتبعت جنازته، ولا تستطل عليه بالبناء، فتحجب عنه الريح إلا بإذنه، إلى أن قال صلى الله عليه وسلم: لن يؤدي حق الجار إلا قليلاً ممن رحم الله) أين الذين يقومون بحقوق الجار في هذا الزمان؟