للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[هول يوم القيامة]

الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا عباد الله اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار.

عباد الله! اعلموا أن من عقيدة كل مسلم أن يؤمن بالبعث والنشور، والحساب والصراط، وأن يؤمن بأهوال يوم القيامة، ودقيق وجليل أمورها وما يكون فيها من الأهوال والعظائم، فإذا حصل الاعتقاد بذلك وجب الإعداد والعمل، ووجب الاستعداد لهذه النقلة العظيمة، يوم يقبل العباد على ربهم ليس ثمة إلا الحسنات والسيئات، ليس ثَم إلا الجنة والنار، وقبل ذلك كل يرجو رحمة ربه الواحد القهار، اللهم فارحمنا وتجاوز عنا وتلطف بنا وكن لنا ولا تكن علينا.

معاشر المؤمنين! في ذلك اليوم تأتي الأم لولدها تقول: ولدي حملتك تسعة أشهر ثقلاً في بطني، وحملتك كرهاً ووضعتك كرهاً، حسنة واحدة أرجح بها موازيني فيقول: إليك عني، إليك عني، كل مشغول بنفسه، كل مشغول بنفسه، كل في أمر وشأن عظيم من حاله {فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ} [عبس:٣٣ - ٣٥] أمه التي حملته ووضعته، وتلقت أذاه، وتلقت نجاسته بيدها، يكون في شأن وفي غفلة، وفي بعد عظيم عنها {فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [عبس:٣٣ - ٣٦] فلذات كبده الذين لا يقعون على الأرض إن وقعوا وإنما قلبه الذي يتكسر ويقع، يكون في تلك اللحظة في غفلة عنهم {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:٣٧] فما هي إلا {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ} [عبس:٣٨ - ٣٩] اللهم اجعلنا منهم {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ} [عبس:٣٩ - ٤٢] نسأل الله ألا تكونوا منهم، واستعيذوا واستجيروا بربكم وتعوذوا بالله واسألوه ألا تكونوا معهم.

عباد الله! إن كثيراً من الناس لا يشهدون الصلاة في المساجد، كأن لم يكن أمامهم بعث ولا حشر ولا نشور، إن كثيراً من الناس يعقون الآباء والأمهات، كأن لم يكن أمامهم حساب ولا عقاب، وإن كثيراً من الناس يظلمون الضعفاء وقد نسوا أن الله جل وعلا فوقهم

وما من يد إلا يد الله فوقها وما ظالم إلا سيبلى بأظلم

إن كثيراً من الناس يتهاونون بالفواحش، وإن من الناس من وقع في شرب الخمور، ومن الناس من تساهل بالزنا، وإن من الناس من أكل الربا، وإن من الناس من شهد الزور، ومن مشى بالنميمة، أفلا يخشون مشهداً كهذا؟ ألا يخافون موقفاً عظيماً وحشراً مهيلاً؟ أفلا يخافون يوماً كهذا؟ {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:٢٤] يقول صلى الله عليه وسلم: (شيبتني هود وأخواتها) يوم أن يقرأ صلى الله عليه وسلم آيات الجنة وآيات النار يتأثر تأثراً عظيماً، فأين تأثرنا حينما نقرأ آيات هذا الهول العظيم؟ أين تفاعلنا يوم أن نتلو في كتاب الله جل وعلا موقف العصاة المذنبين يوم القيامة؟

مثل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمور

إذا كورت شمس النهار وأدنيت حتى على رأس العباد تسير

وإذا النجوم تساقطت وتناثرت وتبدلت بعد الضياء كدور

وإذا البحار تفجرت من خوفها ورأيتها مثل الجحيم تفور

وإذا الجبال تقلعت بأصولها فرأيتها مثل السحاب تسير

وإذا العشار تعطلت وتخربت خلت الديار فما بها معمور

وإذا الوحوش لدى القيامة أحشرت وتقول للأملاك أين نسير

وإذا تقاة المسلمين تزوجت من حور عين زانهن شعور

وإذا المؤودة سئّلت عن شأنها وبأي ذنب قتلها ميسور

وإذا الجليل طوى السما بيمينه طي السجل كتابه المنشور

وإذا الصحائف نشرت فتطايرت وتهتكت للكافرين ستور

وإذا السماء تكشطت عن أهلها ورأيت أفلاك السماء تدور

وإذا الجحيم تسعرت نيرانها فلها على أهل الذنوب زفير

وإذا الجنان تزخرفت وتطيبت لفتىً على طول البلاء صبور

وإذا الجنين بأمه متعلق متشبث يخشى القصاص وقلبه مذعور

هذا بلا ذنب يخاف جناية كيف المصر على الذنوب دهور

كيف الحال بنا والذنوب في بيوتنا، والمعاصي أمامنا، والمنكرات في أسواقنا وكأن لم نر شيئاً، ولا يتحرك فينا شعرة أو شعور لإنكار أو غيرة إيمان لتغيير؟! اللهم لا تجعلنا من الغافلين، اللهم افتح على قلوبنا وتب علينا، اللهم ارزقنا الاستعداد للموت وأعنا على سكراته، اللهم كن لنا في قبورنا، اللهم أفسحها لنا ولأمواتنا ولجميع المسلمين مد أبصارنا، اللهم افتح لنا أبواباً إلى الجنان، اللهم اجعلنا يوم فزع الخلائق من الآمنين، اللهم اجعلنا من عبادك المحسنين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، اللهم اجعلنا على حوض نبيك من الواردين، ولكأسه من الشاربين، وعلى الصراط من العابرين، وآتنا صحفنا باليمين، وبيض وجوهنا يوم تسود وجوه الكفرة والمجرمين، اللهم أدخلنا الجنة أول الداخلين، واجعلنا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بعلماء الإسلام فتنة، وأراد بولاة المسلمين مكيدة، وأراد بالشباب والنساء ضلالاً وتبرجاً وسفوراً، اللهم اجعل كيده في نحره، اللهم اجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء، اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم افضحه على رءوس الخلائق.

اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهد إمام المسلمين وأصلح بطانته، وقرب له من علمت فيه خيراً له، وأبعد عنه من علمت فيه شراً له، اللهم اجمع شملنا، اللهم لا تفرح علينا عدواً، ولا تشمت بنا حاسداً، اللهم اختم بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، اللهم اختم بها آجالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل اللهم إلى جنتك مصيرنا ومآلنا.

اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.

{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦] اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين.

{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:٩٠] فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.