للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اتخاذ الكفار مستشارين من دون المؤمنين]

كذلك من صور الولاء: اتخاذ الكفار مستشارين من دون المؤمنين، اتخاذهم بطانة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ} [آل عمران:١١٨ - ١١٩] والتقدير: تؤمنون بمحمد وعيسى وموسى، وهم طبعاً لا يؤمنون بمحمد: {وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران:١١٩] بطانة الرجل: خاصته، سميت البطانة بطانة تشبيهاً ببطانة الثوب التي تلي البطن، يعني: من جعل أحداً بطانةً، فهو يستبطن أمره، وهذه البطانة تطلع منه على ما لا يطلع عليه غيره، وقد بينت العلة في النهي عن مباطنتهم في القرآن: {لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً} [آل عمران:١١٨] يعني: العلة في النهي عن اتخاذ الكفار بطانةً وأولياء لأنهم لا يألونكم خبالا، يعني: لا يقصرون في أذيتكم وما يجركم إلى الخبال والوبال، ولا يتركون جهدهم فيما يورثكم الشر والفساد، ثم إنهم يودون عنتكم ومشقتكم والضرر والهلاك بكم، ثم إن العداوة التي ظهرت منهم دليلٌ واضح على ما يكنونه في أنفسهم، فحينئذٍ لا يجوز أن يكون الكفار بطانةً من دون المؤمنين، فالقرآن يبين لنا دخائل الكفار ويحلل نفسياتهم وما يكنون وما يضمرون من بغض وكيد وخيانة، وأنهم يستغلون ثقة المسلمين لإيقاع الضرر بهم.

روى الإمام أحمد عن أبي موسى الأشعري، قال: [قلت لـ عمر بن الخطاب: لي كاتب نصراني، فقال عمر: ما لك قاتلك الله؟! أما سمعت قول الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [المائدة:٥١] ألا اتخذت حنيفاً؟ يعني: مسلماً، قلت: يا أمير المؤمنين! لي كتابته وله دينه، فقال عمر: لا أكرمهم وقد أهانهم الله، ولا أعزهم وقد أذلهم الله، ولا أدنيهم وقد أقصاهم الله].

وروى الإمام أحمد ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى بدر فتبعه رجل من المشركين، فلحقه عند الحرة، فقال: (إني أردت أن أتبعك وأصيب معك، فقال صلى الله عليه وسلم: تؤمن بالله ورسوله؟ قال: لا.

قال: ارجع فلن أستعين بمشرك) ومن هذه النصوص يتضح لنا تحريم تولية الكفار أعمال المسلمين الذين يتمكنون بواسطتها الاطلاع على أحوال المسلمين وأسرارهم ويكيدون لهم بإلحاق الضرر بهم: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء:١٤١].

ومن عجبٍ أيها الأحبة! ما وقع في هذا الزمان من تساهل الكثير من المسلمين في جلب الكفار إلى بلاد الإسلام وإلى جزيرة العرب خاصة، وجعلهم عمالاً وسائقين ومستخدمين ومربين وبطانةً وغير ذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب).