للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا ينتهج طالب العلم أسلوباً قهرياً في حمل الناس على وصاياه

ومما يجب أن يتحلى به طالب العلم: ألا يتخذ في بثه للمعلومة، وتحديثه للناس، أسلوباً قهرياً أسلوب من يحمل وصاياه على الخلق، لكن أسلوب من يحسن الظن بإخوانه المؤمنين، من لا يظهر الشماتة بهم، ولا يريد أن يظهر نقصهم للناس، وإنما أسلوب من يستر عيوبهم، ويرحم حالهم، ويرجو لهم الجنة، ويخشى عليهم النار.

أسلوب عبد يتقرب إلى الله جل وعلا بنفع عباده، لا بإظهار نفسه، فيعطيهم الموعظة دون أن تنقص من قدرهم، أو أن تقلل من شأنهم في الناس وصية محب، ونصيحة مشفق يرأف بالخلق، ويعرف أن المؤمن لا يخرجه من دائرة الإيمان كبائر ولا معاصٍ، اللهم! إلا إذ وجد من يجاهر بالمعاصي، ويبالغ فيها ويعلنها، فهذا له نوعية خطاب خاص، قال الله: {وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام:٥٥]، لكن من حيث الجملة: في الكلمات الوعظية، أو في الخطب المنبرية، أو في الدروس التي تلقى للناس، ينبغي أن يقدم الدين برفق إلى عباد الله؛ حتى يقلبوه {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:١٥٩]، (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، ولكن تسعوهم بأخلاقكم) أو كما قال صلوات الله وسلامه عليه.

وليس شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق، فمثل هذه الطرائق يصل الإنسان إلى مقصوده، لكن خطأنا الأكبر أننا ضحايا لبعض من نتوهم أنه ينصحنا، يدخل أحدنا مع باب المسجد يؤم المنبر ليخطب، فيتسابق إليه رجل أو رجلان، يقولان له: الله! الله! في الذين يفعلون كذا، الله! الله! في الذين يفعلون كذا، يسمي له بعض المعاصي التي يفعلها بعض الناس ممن يحضر جمعة، فيعجب هذا الخطيب بوصية أولئك، فإذا صعد المنبر حتى ما كان قد أعده من لين الخطاب، خرج عنه إلى أقساه لتلك الوصية، فيأتي للناس ولا يرى فيمن حوله إلا أولئك النفر الثلاثة أو الأربعة الذين أخطئوا فيوجه الخطاب إليهم.

والعاقل المتبع للسنة لا يقسم الناس حوله، وإنما لا يُدرى من المقصود بخطبته، لكن إذا كانت الخطبة في الغالب يدرى من المقصود بها انقسم الناس بالخطبة إلى متضرر وإلى شامت، فتكون الخطبة قدر الإمكان لا تعنى بموضوع واحد، ومع إجلالنا واحترامنا لكثير من أهل العلم فينا، إلا أنني أقول على بينة من الأمر في أن الخطبة إذا كانت عن موضوع واحد ليست صواباً أبداً، وسأذكر مثلاً: حضرت مرة خطبة لأحد الفضلاء يشهد الله أنني أتقرب إلى الله جل وعلا بحبه، وأتمنى من الله أن يبلغني ما بلغه من العمل الصالح، لكن خطبته وفقنا الله وإياه، كانت في آخر العام، وآخر العام يطالب المأجرون بالإيجار.

فكان يتكلم عن وجوب الشفقة بالمستأجرين، فوفى الموضوع حقه، وجمع فيه أدلة بالغة بنية وقلب مخلص، ولا نزكي على الله أحداً، لكني أقول: لا يمكن أن تكون الخطبتان كلاهما عن موضوع المستأجرين؛ لأن نصف المسجد ليس بمؤجر ولا مستأجر، فلم ينتفع من الخطبة بشيء، لكن كان بالإمكان أن يتكلم عن طرائق الرحمة بالمؤمنين، فيذكر منها في آخر العام الرحمة بالمستأجر، والرحمة بالوالدين، والرحمة بالأجراء والعمال أن يعطوا حقهم، والرحمة بالزوجة إذا كان الإنسان عنده أكثر من زوجة، فيشمل الرحمة بالطلاب إن كان معلماً، فبهذه الطريقة يمكن إيصال المغزى من الخطبة إلى أكثر فئات المجتمع.

أما أن تكون الخطبة كلها أولها في موضوع، وثانيها نكرر ما قلناه في الأول لا يمكن أن ينتفع الناس منها بشيء، لكن يكون الإنسان جامعاً في كلامه قدر الإمكان، وهذا جانب عملي في قضية كيف يخاطب المؤمن كيف يخاطب المؤمن طالب العلم من حوله من الناس.

هذه يا أخي! ما تيسر الحديث عنه من نتف متنوعة، أرجو الله جل وعلا أن ينفع بها، وأن يبلغنا فوق ما نؤمل من الخير، وأن يدفع عنا وعنكم أكثر مما نخاف من السوء إن ربي لسميع الدعاء، وصل الله على محمد وعلى آله.