للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[رقية رسول الله للحسن والحسين]

فمن شفقة الأب على أبنائه أنه يخاف عليهم، وخوفنا على من نحب يكون من شيء محذور نراه ومحذور لا نراه.

فالمحذور الذي نراه نعرف كيف ندفعه، ونستعين بالله عليه، أما المحذور الذي لا نراه فلا نعرف كيف ندفعه؛ لأننا لا نراه، فيكفينا أن نستعين بالله جل وعلا عليه، فكان صلى الله وسلم عليه يضع يديه على رأس الحسن والحسين ويقول: (أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة)، فهذه الاستعاذة تربي الأبناء أول الأمر على أن هناك رباً وإلهاً يكلأ ويحفظ ويرعى ويفعل ما يريد لا إله إلا هو، وأن ثمة شروراً لا ترى بالعين ولا يدفعها إلا الرب تبارك وتعالى، فالله جل وعلا ولينا في كل نعمة، وملاذنا عند كل نقمة.

كما أن فيها أن المرء يستودع الله جل وعلا ثمرة فؤاده، والله تبارك وتعالى -كما قال يعقوب في كتاب الله- خير حافظاً وهو أرحم الراحمين، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله إذا استودع شيئاً حفظه)، ومن دلائل هذا من باب الاستئناس أنه جاء رجل إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وكان الرجل معه ابنه، ولم يكن هناك فرق بين الابن وأبيه، فتعجب عمر قائلاً: والله ما رأيت مثل هذا اليوم عجباً ما أشبه أحد أحداً أنت وابنك إلا كما أشبه الغراب الغراب، والعرب تضرب في أمثالها بالغراب في كثير الشبه بقرينه.

فقال له: يا أمير المؤمنين! كيف ولو عرفت أن أمه ولدته وهي ميتة.

فغير عمر من جلسته وبدل من حالته وكان رضي الله عنه وأرضاه يحب غرائب الأخبار، فقال: أخبرني قال يا أمير المؤمنين! كانت زوجتي أم هذا الغلام حاملاً به، فعزمت على السفر فمنعتني، فلما وصلت إلى الباب ألحت علي ألا أذهب، قالت: كيف تتركني وأنا حامل! فوضعت يدي على بطنها وقلت: اللهم إنني أستودعك غلامي هذا ومضيت -بقدر الله لم يقل وأستودعك أمه- وخرجت فمضيت وقضيت في سفري ما شاء الله لي أن أمضي وأقضي، ثم عدت، فلما عدت إذا الباب مقفلاً، وإذا بأبناء عمومتي يحيطون بي ويخبرونني أن زوجتي قد ماتت، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون.

فأخذوني ليطعموني عشاء أعدوه لي، فبينما أنا على العشاء إذا بدخان يخرج من المقابر، فقلت: ما هذا الدخان؟ فقالوا: هذا الدخان يخرج من قبر زوجتك كل يوم منذ أن دفناها.

فقال الرجل: والله إنني لمن أعلم خلق الله بها، كانت صوامة قوامة عفيفة لا تقر منكراً وتأمر بالمعروف ولا يخزيها الله أبداً، فقام وتوجه إلى المقبرة وتبعه أبناء عمومته، قال: فلما وصلت إليها -يا أمير المؤمنين- أخذت أحفر حتى وصلت إليها، فإذا هي ميتة جالسة وابنها هذا الذي معي حي عند قدميها، وإذا بمناد ينادي: يا من استودعت الله وديعة! خذ وديعتك.

قال العلماء: ولو أنه استودع الله جل وعلا الأم لوجدها كما استودعها، ولكن ليمضي قدر الله لم يجر الله على لسانه أن يودع الأم، فاللهم إنا نستودعك ديننا يا رب العالمين، وارزقنا الثبات عليه حتى نلقاك يا ذا الجلال والإكرام.

نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصاً على أن يعوذ الحسن والحسين بما كان أنبياء الله من قبل يعوذون به أبناءهم، فخليل الله إبراهيم كان يعوذ به إسماعيل وإسحاق، فسنته صلى الله عليه وسلم في اقتفاء أثر إخوانه من الأنبياء من قبله.