للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أنواع العلوم والكلام عليها]

أيها المؤمنون! الحديث عن الرب تبارك وتعالى حديث تحبه قلوب المؤمنين، فبه البلغة والموعظة والذكرى، ونور التوحيد، وكما قلنا: إنما هي موعظة وبلغة إلى الرب تبارك وتعالى.

قال الإمام يحيى بن عمار أحد المحدثين رحمه الله تعالى: العلوم خمسة: علم هو حياة الدين، وهو علم التوحيد.

وعلم هو قوت الدين، وهو العظة والذكر.

وعلم هو دواء الدين، وهو علم الفقه.

وعلم هو داء الدين، وهو ذكر أخبار ما وقع بين السلف.

وعلم هو هلاك الدين، وهو علم الكلام.

وهذا التأصيل العلمي من هذا المحدث ظاهر الصحة بلا ريب، فإن علم الكلام يخرج الإنسان مما أراده الله جل وعلا منه، فينشغل بأقوال الفلاسفة، وتنظير أهل المنطق، ويخوض ميمنة وميسرة في عالم الفكر المتأرجح بعيداً عن هدي الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم, وكفى بذلك خيبة وخسراناً.

وأما الاشتغال بإخبار السلف الصالح وما وقع بينهم رحمة الله تعالى عليهم جميعاً، فإنه يقسي القلب، ويجعل من المرء القاصر البعيد زماناً ومكاناً عن أولئك الأخيار يجعله من حيث لا يدري حكماً بين أئمة مهديين, وصحابة مرضيين، وأتباع لهم في الدين سابقة لا تلحق، ومثل هذا يقسي القلب، وحسب المؤمن أن يستمع إلى قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه عندما قال: إني لأرجو الله أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير ممن قال الله جل وعلا فيهم: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ} [الأعراف:٤٣].

وقوله: وعلم هو دواء الدين وهو علم الفقه؛ ذلك أن الإنسان أحوج ما يكون إلى أن يعلم الحلال والحرام؛ حتى يستبين له الحرام والمكروه فيجتنبه، ويستبين له المباح فيخير فيه، ويستبين له المسنون فيسابق إليه، ويستبين له الواجب فيأتيه راضياً بقضاء الله جل وعلا وقدره، مستسلماً لأمر الله تبارك وتعالى ونهيه.

ثم قال رحمة الله: وعلم هو قوت الدين وهو العظة والذكر؛ ذلك أن المؤمن مهما بلغ حاله، وصلح عمله، هو في حاجة إلى أن يذكّر ويوعظ، ولذلك قال الله جل وعلا لنبيه: {وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} [النساء:٦٣].

وقال العرباض بن سارية رضي الله عنه: (وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منه القلوب، وذرفت منها العيون).

وجاء عنه صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس: (أن موسى عليه السلام وقف خطيباً يعظ في بني إسرائيل، حتى إذا رقت القلوب وذرفت العيون) إلى نهاية الحديث.

والمقصود: أنه ما من مؤمن إلا وهو محتاج إلى الوعظ والتذكير، وهذا هو الذي سماه المحدث يحيى بن عمار: قوت القلوب.