للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تزاور أهل الجنة وتذاكرهم فيها]

إن أهل الجنة أيها المؤمنون يتزاورون ويتذاكرون مجالسهم في الدنيا، جعلني الله وإياكم ممن يذكر هذا المجلس يوم القيامة.

فيتذاكرون مجالسهم في الدنيا، كما أن بين أهل النار خصومة ومحاجة، فالله ذكر أهل النار وذكر خصومتهم ومحاجتهم فقال: {قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ * قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ * وَقَالُوا مَا لَنَا لا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأَشْرَارِ * أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَارُ * إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ} [ص:٦١ - ٦٤].

ويكون بين أهل الجنة لقاءات وتزاور، قال الله جل وعلا عنهم: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات:٢٧] أي: يتذاكرون مجالسهم في الدنيا، {قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [الطور:٢٦ - ٢٧].

ومن كان له قرين في الدنيا يحاول أن يغويه من أهل الكفر أو الفسق ويظله ثم يمن الله عليه بالثبات على الهداية، يتذكر وهو في الجنة ذلك القرين، قال الله جل وعلا: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ} [الصافات:٥٠ - ٥١] أي: من أهل الجنة، {إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ} [الصافات:٥١ - ٥٣] فيطلع ذلك المؤمن على أهل النار: {قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ} [الصافات:٥٤]، فاطلع فيراه في سواء الجحيم، فلما يراه على تلك الحال يتذكر نعمة الله جل وعلا عليه من الثبات على الهداية، قال الله جل وعلا بعدها: {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} [الصافات:٦١].

وما زلنا وإياكم في دار عمل، وما زالت أرواحنا في أجسادنا، وهذه بعض مما ذكره الله جل وعلا في كتابه وعلى لسان رسوله من جنات النعيم.

فنسأل الله الذي رزقنا الإسلام من غير أن نسأله ألا يحرمنا الجنة وقد سألناه إياها.

اللهم إنك أنت الله لا إله إلا أنت الواحد الأحد، الفرد الصمد، الحي القيوم، الذي لم يلد ولم يولد، ولا تواري عنك أرض أرضاً، ولا سماء سماء، ولا يُخفي عليك جبل ما في وعره، ولا بحر ما في قعره، تعلم ما كان وما سيكون وما هو كائن، لا يخفى عليك شيء من أعمالنا، نسألك اللهم أن تعيذنا من ذل الفضيحة يوم العرض عليك، اللهم أعذنا من ذل الفضيحة يوم العرض عليك، اللهم إن لنا ذنوباً سترتها علينا في الدنيا فأدم يا الله سترها علينا يوم نلقاك، وأدم اللهم علينا عفوك ومغفرتك، وأدخلنا اللهم جناتك مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.