للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الوصية الثانية في الصداقة]

الوصية الثانية: إذا أنشأ الله بينك وبين أحد إخوانك صداقة ومودة ومحبة، فاعلم أنها قد تزول ذات يوم، إما لعارض منك، وإما لعارض منه، وإما لعارض لا تملكه أنت ولا هو كالرحيل والسفر، أو تبدل الأيام، أو ما إلى ذلك مما يصعب حصره.

لكن ما واجبك بعد أن يتغير الود وتتبدل المحبة؟ فإنه لابد قطعاً أن يكون قد مضى فيما بينكما أيام القرب والوصال والمحبة والوئام أسرار، وسفر ورحيل، وشيء من الهنات والزلات والأمور التي لا مفر منها، فإنك لا تخلو من أن تكون أحد رجلين: إما رجل يمشي ويحدث بما كان في أخيه من أخطاء، وهذا أمر لا يليق بالأحرار، ولا يليق بالشرفاء، ولا يليق بذوي المعدن الأصيل من الناس.

وإما أن تمشي وتحدث بأحسن ما سمعت من أخيك، وأحسن ما رأيت من صحبته، وأجمل ما لقيت من خلته، فهذا هو طبع الأحرار، وهذا هو دأب الشرفاء، وهذا هو نعت الأبرار.

إن الكريم إذا تغير وده ستر القبيح وأظهر الإحسانا إن كان ولابد أن تخبر فلا تخبر إلا بما هو خير، لكن أن يذكر خليلك السابق، أو صديقك الماضي في مجلس، وتبطن على ما قيل فيه من عثرات، أو تثبت على ما هو فيه من أخطاء، فإن هذا يجمع بين الغيبة -وهي محرمة شرعاً- ولؤم الطبع، وحري بي وبك أن ننأى بأنفسنا على أن نكون من اللئام! فهذا أمر ينبغي للأخ المؤمن أن يجتنبه كل الاجتناب، ولا يحدث عن إخوانه المؤمنين إلا بأمر حسن.