للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صور من إيذاء المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم]

أخذ صلى الله عليه وسلم يقوم بواجب الدعوة شيئاً فشيئاً وهو ما عرف تاريخياً: بالدعوة في مرحلتها السرية، تغير وجه قريش لها، ونالوا منه صلوات الله وسلامه عليه وساموه وأصحابه سوء العذاب وهو عليه الصلاة والسلام صابر محتسب يدعو إلى ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، يدعو الناس إلى التوحيد، فكان أبو جهل يحمل راية السوء ضده حتى إنه بلغ من إيذاء أبي جهل لرسولنا صلى الله عليه وسلم كما أورد البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود: (أن جزوراً نحرت بالأمس فلما كان في الغد جاء صلى الله عليه وسلم عند الكعبة وصلى فقال أبو جهل وقريش في أوديتها: أيكم يقوم إلى جزور بني فلان فيضع سلى الجزور على كتفي محمد صلى الله عليه وسلم، فانبعث أشقى القوم عقبة بن أبي معيط فحمل الجزور فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد فوضع سلى الجزور بين كتفيه الطاهرين صلى الله عليه وسلم، قال ابن مسعود: فلو كانت لي منعة لرفعته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إنه ذهب إنسان إلى فاطمة رضي الله عنها وأخبرها الخبر فجاءت وهي جويرية يومئذ فرفعت سلى الجزور عن كتفي نبينا صلى الله عليه وسلم، فلما أتم صلاته دعا ثلاثاً، وكان إذا دعا دعا ثلاثاً وسأل الله ثلاثاً ثم قال: اللهم عليك بـ أبي جهل، وعتبة بن أبي ربيعة، وشيبة بن أبي ربيعة، والوليد بن عتبة، وعقبة بن أبي معيط، وأمية بن خلف وسمى سبعة صلوات الله وسلامه عليه، قال ابن مسعود: فوالله لقد رأيت من سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم صرعى في القليب قليب بدر).

نقف عند هذا الحدث: فهناك -يا أخي- أعراف وتقاليد تتغير من مجتمع إلى آخر والعاقل من يستزيد من تلك التقاليد والأعراف ولا يصادمها، فـ ابن مسعود كان يعلم أن الأعراف الجاهلية لا تسمح للضعفاء ولا عديمي الظهر من أن يكون لهم حظ في الناس، فكان يعلم أنه لا يمكنه أن يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا وهو ميت فأبقى على نفسه ولم يأت ليرفع سلى الجزور عن رسولنا صلى الله عليه وسلم وهو من الإيمان والتقوى بمكان لا يعلمها إلا الله، وكانت الأعراف الجاهلية تنص على حفظ المرأة وعدم التعرض لها ولو بدأت بالأذى، فكان موقفاً لـ فاطمة أنها تقدمت بين صفوف الرجال وحملت سلى الجزور عن رسولنا صلى الله عليه وسلم دون أن يصيبها أذى، فالعاقل من الدعاة والحكيم من أهل الاستقامة من يتعامل مع الأعراف والتقاليد الاجتماعية بما يتوافق معها، وهذه التقاليد والأعراف لا تبقى في كل زمان على هيئة واحدة وإنما تتغير الأعراف والتقاليد من عصر إلى عصر، ومن مكان إلى مكان، والشاهد والمقصود: أن يوظفها الإنسان لصالح الدعوة، ولصالح هداية الناس إلى طريق الله المستقيم.