للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خروجه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة واستقبالهم له]

ثم عاد صلى الله عليه وسلم إلى مضجعه الشريف، ثم توالت الأحداث فالتقى صلى الله عليه وسلم برهط من الأنصار فكانت بيعة العقبة الأولى، ثم التقى برهط آخرين فكانت بيعة العقبة الثانية، ثم أذن الله له بالهجرة إلى المدينة صلوات الله وسلامه عليه، وكان قد هاجر قبله جمع من أصحابه، ثم تآمرت قريش عليه وقرروا قتله في مؤامرة مشهورة معروفة، ثم أخرجه الله جل وعلا من بين أظهرهم دون أن يروه وهو يتلو: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} [يس:٩]، ثم التحق بصاحبه أبي بكر إلى غار في جبل ثور، عرف بغار حراء، فمكث في الغار والطلب والرصد تبع له مرة بعد المرة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار.

يمرغ في حراء أديم خد دواماً بالغداة وبالعشي لعلي أن أنال بحر وجه تراباً مسه قدم النبي مكث صلى الله عليه وسلم في الغار ثلاثة أيام وقريش تبعث الطلب والرصد فيه فوقفوا على مقربة من الغار وأبو بكر يقول: (يا رسول الله! لو أن أحدهم نظر أسفل قدميه لرأانا فيقول: يا أبا بكر! ما بالك باثنين الله ثالثهما)، هذا نصر الله جل وعلا على هيئة كتمان آتاه الله جل وعلا النبوة فلما سكن الرصد وقل الطلب خرج صلى الله عليه وسلم من الغار وصاحبه متوجهاً نحو هذه المدينة المباركة، وكانت الأنصار بلغهم خروجه صلى الله عليه وسلم فيخرجون كل يوم ينتظرون أوبته، ينتظرون قدومه، حتى إذا اشتد عليهم وهج الشمس رجعوا إلى دورهم، فلما كان اليوم الذي وصل فيه صلى الله عليه وسلم خرج رجل من اليهود على أطم من آطام المدينة، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه عرفهم فنادى بأعلى صوته: يا بني قيلة! وهو جد تجتمع فيه الأوس والخزرج هذا جدكم الذي تنتظرون فسمع في المدينة التكبير، وابتدر القوم إلى السيوف، وخرجوا يستقبلون نبيهم صلى الله عليه وسلم.

بالأمس خرج من مكة شريداً طريداً في ظلمة من الليل، ثم ما لبث أن نصره الله فدخل المدينة كأعظم ما يدخلها الملوك والأنصار من حوله، كلما مر على ملأ قالوا له: هلم إلى العدد والعدة، هلم إلى العز والمنعة، يا رسول الله! وهو يقول: (خلوا سبيل الناقة فإنها مأمورة)، حتى بركت الناقة في موطن مسجده اليوم صلوات الله وسلامه عليه، على مقربة من بيت أبي أيوب، فعمد أبو أيوب إلى متاع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدخله بيته، فقال عليه الصلاة والسلام: (المرء مع رحله)، ثم بنى مسجده، وبدأ يضع النواة الأولى لدولة الإسلام صلوات الله وسلامه عليه.