للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المشقة تجلب التيسير]

{هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:٧٨]، هذه قاعدة أن المشقة تجلب التيسير، والفقه الإسلامي مبني على خمس قواعد وهي: المشقة تجلب التيسير، والضرر يزال، والأمور تبع للمقاصد، والعرف محكم، واليقين لا يزول بالشك.

قد أسس الفقه على نفي الضرر وأن ما يشق يجلب الوطر ونفي رفع القطع بالشك وأن يحكم العرف وزاد من فطن كون الأمور تبع المقاصد مع التكلف ببعض وارد فهذه الخمس عليهن قام الفقه الإسلامي، وهذه أولها، قال الله جل وعلا: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:٧٨].

{مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج:٧٨] عليه السلام، وهو أبو الأنبياء، فالأمة تنسب إليه لكونه أباً لنبينا صلى الله عليه وسلم، وتنسب إليه الملة لأن الله جل وعلا حصر النبوة بعده فيه.

{مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ} [الحج:٧٨] الضمير ليس عائد إلى إبراهيم، كما في مثل: إذا جاء سيل الله بطل سيل معقل، فهو عائد على رب العزة، والدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما روى الحاكم في المستدرك بسند صحيح قال: (وأنا آمركم -يقول للصحابة- بخمس: بالسمع، والطاعة، والهجرة، والجماعة، والجهاد، فإن من خرج عن الجماعة قيد شبر مات ميتة جاهلية، ثم قال: وإياكم ودعوى الجاهلية، فإن من دعا بدعوى الجاهلية فهو من جثي جهنم، قالوا: يا رسول الله! وإن صلى وصام؟ قال: وإن صلى وصام، تسموا بما سماكم الله به -هذا موضع الشاهد-: المسلمين المؤمنين عباد الله)، هذه الثلاثة قالها النبي صلى الله عليه وسلم نقلاً عن القرآن، وعلى هذا لا يوجد عاقل يملك عقلاً كاملاً يخرج من سعة الكتاب والسنة إلى ضيق أي جماعة أو حزب أو أي شيء يحصر الناس في شيء واحد، (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وسنتي)، ولا يوجد اسم أشرف من أن نتسمى بالمسلمين المؤمنين عباد الله، وهذه وصية نبينا صلى الله عليه وسلم، وهي في القلب وعلى الرأس والعين.

{هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ} [الحج:٧٨] متى؟ {مِنْ قَبْلُ} [الحج:٧٨] أي: في الكتب المتقدمة، كما في التوراة والإنجيل، {وَفِي هَذَا} [الحج:٧٨] أي: القرآن، فيصبح معنى الآية: الله سمانا المسلمين في الكتب المتقدمة، وهذا معنى: (من قبل)، وسمانا المسلمين (في هذا) أي: في القرآن، لأي شيء؟ {لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ} [الحج:٧٨]، فالرسول عليه الصلاة والسلام شهيد على أمته، وأمته عدل يوم القيامة يقبل الناس أن تكون شهيدة على غيرها من الأمم، كما قال الله: {وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [الحج:٧٨].

{لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [الحج:٧٨]، وقرن بين عبادتين عظيمتين قلما تفترق إلا لحكمة في كلام الله، وهما: الصلاة والزكاة.

ثم قال: {وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الحج:٧٨] أي: على قدر اعتصامك بالله تكون نصرة الله جل وعلا لك، فينصر العبد ويحفظ ويكلأ ويسدد بمقدار قربه من الله، وليس بين الله وبين أحد من خلقه نسب جل جلاله، {وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الحج:٧٨].