للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تعظيم سنن رسول الله]

ومن تعظيمه صلى الله عليه وسلم ودلالة محبته تعظيم سننه عليه الصلاة والسلام، والسنة باب مشهور يعلم الناس منه أشياء ويخفى عليهم منه أشياء، ومن أراد أن يحيي سنة ميتة فإن من أشهرها ما ذكرته عائشة حين سئلت من رهط من التابعين عن وتره صلوات الله وسلامه عليه، أجابت بأن وتره صلى الله عليه وسلم انتهى في آخر عمره إلى أنه كان يصلي ثماني ركعات فرداً من غير جلوس، ثم يجلس في الثامنة فيتشهد ويدعو، ثم يقوم فيأتي بركعة تاسعة، ثم يجلس فيتشهد ويسلم صلوات الله وسلامه عليه، قالت: فلما كبر وأسن وحمل اللحم عليه الصلاة والسلام نقص عن ذلك ركعتين، فكان يصلي ستاً متعاقبات يجلس في السادسة، ثم يقوم يأتي بالسابعة فيتشهد ويدعو الله كثيراً ثم يسلم، ثم إذا فرغ من صلاته صلى ركعتين وهو جالس صلوات الله وسلامه عليه، والسنة فيهما أن يجلس الإنسان للقيام متربعاً، ويجلس حال التشهد كجلسته المعتادة بين السجدتين.

وكان صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين وهو جالس بعد وتره، ويسلم تسليماً يسمع به أهله، وهذه سنة قد تكون غير معلومة، أو قد تكون معلومة مهجورة، فمن أراد أن يحيي سنة النبي صلى الله عليه وسلم فعليه بها، ففيها الأجر العظيم، والثواب الكريم؛ لأنها مندرجة عموماً في قيام ليله صلوات الله وسلامه عليه.

ومنها ما تراه من بعض آحاد الناس المطلعين على حقيقة سنته صلوات الله وسلامه عليه المحبين له، اللذين يريد أحدهم أن يحيا كما كان صلى الله عليه وسلم، فإذا دخل بيتاً لأحد الناس وقدم له تمر فإنه يتمنى ألا يأتي صاحب البيت بإناء يوضع فيه التمر، وذلك أنه ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن بسر رضي الله عنه أنه قال: (نزل النبي صلى الله عليه وسلم على أبي، فقربنا إليه طعاماً ووطبة فأكل منها، ثم أتي بتمر فكان يأكله ويلقي النوى بين أصبعيه، ويجمع السبابة والوسطى) صلوات الله وسلامه عليه، فكره عليه الصلاة والسلام أن يرد النوى في موضع التمر، فوضع النوى بين أصبعيه السبابة والوسطى، ونحن نعلم يقيناً أن هذه المسألة مسألة جبلية هي إلى البيئة أقرب، ولا يترتب على تركها إثم، ولكن المحب للنبي صلى الله عليه وسلم إذا بلغ في حبه إلى أن يتأسى بكل أفعاله وأقواله صلوات الله وسلامه عليه فإن ذلك برهان على المحبة، ودليل على صدقها، لأن كمال المحبة يلزم منه كمال الطاعة وكمال الاتباع واقتفاء هديه صلوات الله وسلامه عليه.