للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[محبة آل بيت رسول الله]

ومن محبة ما يحبه صلى الله عليه وسلم محبة آل بيته، وتعظيم حالهم، افتقاء لأثره، وإكراماً له صلوات الله وسلامه عليه، فقد ورد عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه -وهو رأس المسلمين وسيدهم بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم- أنه رضي الله تعالى عنه وأرضاه -كما روى البخاري - كان يقول: والله لأن أصل قرابة النبي صلى الله عليه وسلم أحب إلي من أن أصل قرابتي، ويقول رضي الله عنه في البخاري أيضاً: ارقبوا محمداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته.

وثبت عنه صلى الله عليه وسلم -كما في الصحيح من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه- أنه لما سئل عن أيامه مع النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن نبي الله قام فينا خطيباً في غدير يقال له: (خم) بين مكة والمدينة، فقال: أيها الناس! إنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وإنني تركت فيكم ثقلين: كتاب الله فيه الهدى والنور، فاستمسكوا به واعتصموا، ثم قال: وأذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، فقال أصحاب زيد لـ زيد: أنساء النبي صلى الله عليه وسلم من آل بيته؟ قال: نعم، ولكن آل بيته من حرم الصدقة بعده، فقال له من حوله: ومن حرم الصدقة بعده يا زيد؟ قال: آل جعفر، وآل عباس، وآل علي، وآل عقيل).

ولقد فقه سلف الأمة زرافات ووحداناً أن إكرام آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إكرام لشخصه صلوات الله وسلامه عليه، فقد ذكر رواة الأدب ومصنفو التاريخ أن هشام بن عبد الملك حج في خلافة أبيه عبد الملك بن مروان، فلما هم بأن يقبل الحجر وهو يطوف عجز عن أن يصل إليه؛ لازدحام الناس على الحجر، فتنحى جانباً وأتي له بكرسي فجلس عليه، فلما قدم زين العابدين علي بن الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم ليقبل الحجر عرف الناس زين العابدين ومنزلته وقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتنحوا عن الحجر فاستلمه زين العابدين دون أن يزاحمه الناس عليه، فأراد هشام أن يصرف وجوه الناس عن زين العابدين فقال لمن حوله متهكماً: من هذا؟! وقبل أن يجيبه أهل الشام، قال له الفرزدق وكان حاضراً: هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرم هذا ابن خير عباد الله كلهم هذا التقي النقي الطاهر العلم وليس قولك من هذا بضائره العرب تعرف من أنكرت والعجم كلتا يديه غياث عم نفعهما يستوكفان ولا يعروهما عدم هذا ابن فاطمة إن كنت تجهله بجده أنبياء الله قد ختموا ما قال لا قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعم والقصيدة طويلة، وما قيل منها من شواهد يكفي.

والمقصود أن من إكرام النبي صلى الله عليه وسلم إكرام أهل بيته، ولا يدفعن أحد حسد ولا حقد ولا غير ذلك إلى بغضهم، فصلى الله على نبيه وصلى الله على آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان.

ولقد شكى العباس رضي الله تعالى عنه وإلى النبي صلى الله عليه وسلم قوماً من قريش يجفون بني هاشم لقرابتهم من النبي صلى الله عليه وسلم، فقال صلوات الله وسلامه عليه: (والله لا يؤمنوا حتى يحبوكم لله ولقرابتي) فالمحبة في الله يشترك فيها جميع المؤمنين، أما المحبة لقرابته صلى الله عليه وسلم فهي خاصة بأهل بيته صلوات الله وسلامه عليه.