للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تجرد الأنبياء من الحول والقوة إلا بالله تعالى]

ثم الأمر الثاني: أن أولئك الأنبياء والمرسلين تجردوا من كل حول وطول، وتجردوا من كل قوة، ولم يدعوا لأنفسهم كمالاً ولا حولاً ولا طولاً؛ حتى يبينوا للعباد أن الحول والطول والقوة والعلم لله تبارك وتعالى وحده، فهذا نوح يصدع في قومه ويقول لهم كما أخبر الله جل وعلا في القرآن: {وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} [هود:٣١].

ومن هنا تعلم أن غير المرسلين من أئمة الفرق الباطنية الضالة ومن أئمة الفرق التي تحارب أهل السنة تجد أن من صفاتهم التي يعرفون بها أنهم يدعون لأنفسهم حولاً وعلماً وطولاً لم يؤتهم الله جل وعلا إياه، وما آتاه الله لأنبيائه المقربين ولا لرسله المبشرين، ومع ذلك يزعم أولئك الأئمة من أئمة الضلال أنه لهم، أو يزعموا أنه لأئمتهم ظلماً وبهتاناً على أولئك الأئمة، يقول أحدهم من أئمة هذا العصر في كتابه الشهير (الحكومة الإسلامية) يقول في صفحة (٥٧) منه: وإن من أصول مذهبنا: أن لأئمتنا منزلة لا ينالها ملك مقرب ولا نبي مرسل، وربما كان هذا الأمر لـ فاطمة الزهراء.

فتطاولوا على الأئمة كما تطاول النصارى على المسيح ابن مريم، فإن النصارى زعمت أن المسيح ابن مريم إله، وهو عليه الصلاة والسلام لم يقل هذا أبداً، {لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} [النساء:١٧٢]، فكما تطاول النصارى على المسيح فقد تطاول أصحاب تلك الفرق على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آل بيت النبوة رضوان الله تعالى عليهم تطاولاً ليس من أولئك ذنب فيه ولا علاقة به، ولكنه من باب خداع الناس وتشعبهم في طرق الضلال.

وتعظيم الله جل وعلا وإجلاله أمر يسترشد من أنبياء الله ورسله، وأنا وأنت أيها المؤمن عندما نستقي من هذا المورد العذب من (نبأ المرسلين) يجب أن نفطن إلى مسألة تعظيم الله جل وعلا وإجلاله، فإن كثيراً من إخواننا العصاة -غفر الله لهم وعفا الله عنا وعنهم- مما يدفعهم إلى ارتكاب المحارم، ويحجم بهم عن فعل الطاعات أنهم يجهلون قدر الله تبارك وتعالى، ويغيب عنهم اطلاع الله تبارك وتعالى عليهم، ويغيب عنهم ما لله جل وعلا من عظمة؛ ولذلك من أفضل الطرق إلى قرع قلوب هؤلاء أن يذكروا بما لله تبارك وتعالى من عظمة وجبروت، وما لله تبارك وتعالى من سلطان وملكوت، قال الله تبارك وتعالى وهو يرشد إلى هذا: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام:١٠٢ - ١٠٣]، وآيات القرآن المنثورة فيه كثير منها يقرع القلوب بذكر وحدانية الله جل وعلا، وعظيم سلطانه جبروته وملكوته.