للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نصيحة لمن ابتلي بأصحاب سوء يأمرونه بالمنكر وينهونه عن المعروف]

السؤال

أنا شاب أحب الخير والصالحين، ولكن الله ابتلاني برفقة سوء يأمرونني بالمنكر وينهونني عن المعروف، فلم أركع لله ركعة، ولم أسجد له سجدة، وكل سوء وقبيح دلوني عليه، وسهلوه لي، فماذا أفعل أرشدني جزاك الله خيراً، وهل من كلمة لي ولإخواني الذين يسيرون على منهجي عن النار وما أعد الله عز وجل فيها للعباد العاصين؟

الجواب

يا أخي! يقول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار:٦ - ٨]، وإنه والله من أعظم ما يعقب الحسرة في القلب أن يوجد في بلاد مسلمة من لم يسجد لله جل وعلا سجدة، ومن لم يركع لله جل وعلا ركعة.

إن الله تبارك وتعالى يا بني! غني عنك وعن كل عباده، وإن سجودك وركوعك لله إنما هو عائد أجره لك أنت، قال الله جل وعلا: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ} [فصلت:٤٦]، وما أضل كثيراً من الناس اليوم -والهداية بيد الله- إلا رفقاء السوء، وإن رفقاء السوء هم الذين نحّو بـ أبي طالب عن الملة الحقيقية لما تكالبوا عليه عند وفاته، ولا ريب أن ضعف شخصيتك -مع اعتذاري إليك- هو الذي جعل هؤلاء الأقوام يتسلطون عليك، إنها يا بني أو يا أخي! نفس واحدة إما إلى جنة وإما إلى نار، قال الله جل وعلا: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى:٧]، فإن كان هؤلاء الأقوام، وهؤلاء الأصحاب، وهؤلاء الكرماء، وهؤلاء الخلطاء أحب إليك من الله ورسوله، أو كانوا هؤلاء سيمنعوك من غضب الله وسخطه، أو كان هؤلاء يقدرون على أن يدخلوك الجنة فأنا أقول لك: اتبعهم واترك طريق الله، لكنك تعلم وأنا أعلم وغيرنا يعلم: أن الأمور كلها بيد الله جل وعلا: {يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلا هُمْ يُنصَرُونَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ} [الدخان:٤١ - ٤٢].

فالله جل وعلا هو الغني بذاته، وهو الذي يمنعك منهم، ويمنعك من غيرهم، فاستعصم بالله جل وعلا، ولعله في قدومك هذا اليوم إلى هذا المسجد لشهود هذه المحاضرة رحمة الله من الله تبارك وتعالى بك، فقد عرفت فالزم ولا يصدنك الشيطان عن آيات الله.

وتقول: حدثني عن النار، هل أحدثك عما أعده الله جل وعلا من عذاب أليم وعقاب؟ لو حدثتك عما يعده مدرس لطلابه إذا تركوا الواجب لهالني وهالك الأمر، فكيف بما أعده رب السماوات والأرض! أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا * ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا * ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا * وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم:٦٨ - ٧٢].

وإني أسأل الله جلت قدرته في هذا المقام الكريم أن يجعلني وإياك والحاضرين والسامعين ممن ينجيهم الله جل وعلا في يوم الوعيد.

ثم يا بني! كما تخاف من النار فاطمع في الجنة، ألم تفكر يوماً من الدهر في لذة النظر إلى وجه رب العالمين، والله إنني الآن في حالة سفر، وإنني مشتاق لرؤية أبنائي، فكيف لا نشتاق إلى رؤية وجه رب العالمين تبارك وتعالى، أخرج مسلم في الصحيح من حديث صهيب رضي الله تعالى عنه، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، نادى منادٍ: يا أهل الجنة! إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه، فيقولون: وما هو؟ ألم يثقل موازيننا؟ ألم يبيض وجوهنا؟ ألم يدخلنا الجنة ويجرنا من النار؟ فيكشف الحجاب فيرون وجه ربهم تبارك وتعالى، فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم.

هو أعظم من رؤية وجه الله جل وعلا).

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:٢٢ - ٢٣]، والله تعالى أعلم.