للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وظائف الملائكة]

رؤساء الملائكة أربعة: جبرائيل، وإسرافيل، وميكال، وملك الموت؛ وكل ملك من هؤلاء الملائكة الأربعة موكل بالحياة.

فأما جبريل فموكل بحياة القلوب، فلذلك ينزل بالوحي على من يشاء الله من رسل الله تبارك وتعالى، قال الله جل وعلا: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:١٩٢ - ١٩٥].

وميكال موكل بحياة بني آدم مما فيه معاشهم فينزل بالقطر من السماء.

وإسرافيل موكل بنهاية حياة الكون كله، فلذلك هو الذي ينفخ في الصور، قال الله جل وعلا: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر:٦٨].

وملك الموت وردت بعض الآثار أن اسمه عزرائيل، لكن هذا ليس موجوداً في صريح الكتاب ولا في صحيح السنة، ولكن أكثر أهل العلم على أن اسمه عزرائيل والله تعالى أعلم، وهذا ملك الموت موكل بحياة كل إنسان بذاته؛ فهو الذي يقبض أرواح بني آدم، قال الله جل وعلا: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} [السجدة:١١].

ونبينا صلى الله عليه وسلم ثبت عنه في السنة أنه كان إذا قام من الليل يجمع بين رؤساء الملائكة فيقول ضمن حديث طويل: (اللهم رب جبرائيل وإسرافيل وميكال أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم)، وهؤلاء الملائكة أيها المؤمنون أعطاهم الله جل وعلا القدرة على التشكل، فيتشكلون بأمر الله حيث يريدون، أو حيث ينفع ذلك التشكل، ومنه تشكلت الملائكة وجاءت لإبراهيم -كما بينا في وقفاتنا مع سورة هود- في صورة أضياف، قال الله جل وعلا: {وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ} [الحجر:٥١] وإلى الصديقة مريم جاء جبرائيل في صورة بشر تام الخلقة، قال الله جل وعلا: {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} [مريم:١٧]، وإلى نبينا صلى الله عليه وسلم جاء جبرائيل في صورة دحية الكلبي أحد أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وكما في حديث عمر في الصحيح وغيره: جاء رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، ولا يرى عليه أثر السفر، ولما انقضى الأمر وانتهت المهمة قال صلى الله عليه وسلم: (ذاك جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم) فالمقصود أن هؤلاء الملائكة لديهم القدرة على التشكل، وهؤلاء الملائكة تختلف وظائفهم، أسند الله جل وعلا -لحكمة أرادها وهو الغني عنهم وعن غيرهم- إليهم مهمات، فمنهم حملة العرش، وهم فيما يظهر أعظم الملائكة خلقاً، قال الله جل وعلا: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} [غافر:٧]، وقال الله جل وعلا في الحاقة: {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة:١٧] وكما قلنا فيما يظهر أن هؤلاء حملة العرش هم أعظم الملائكة خلقاً لأنهم يحملون أعظم المخلوقات وهو العرش؛ ثم منهم الموكلون بحفظ بني آدم، قال الله جل وعلا: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد:١١]، ومنهم الموكل بكتابة أعمال بني آدم، قال الله جل وعلا: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:١٨] فالذي على اليمين يكتب الحسنات، والذي على اليسار يكتب السيئات، ومنهم من وكله الله جل وعلا بسؤال العبد في قبره، وهم المعروفان بمنكر ونكير، ومنهم موكل بغير ذلك، كالملك الذي جاء في حديث عبد الله بن مسعود في الصحيحين وغيرهما: أنه عندما تبلغ النطفة في الرحم أربعة أشهر -مائة وعشرون يوماً- يبعث إليه ملك، فيؤمر بكتابة أربع كلمات: بكتابة عمله، ورزقه، وأجله، وشقي أو سعيد؛ المقصود أن الموكل بهذا ملك من ملائكة الله جل وعلا.

فهؤلاء الملائكة تختلف مهماتهم ووظائفهم إلا أن جل أمورهم في كل حال هو ذكر الله تبارك وتعالى وتسبيحه، قال صلى الله عليه وسلم: (أطت السماء وحق لها أن تئط، والله ما من موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجداً لله تعالى، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، ولما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجئرون إلى الله تعالى) ينبئ عليه الصلاة والسلام عن عظم ذكر وعبادة وتسبيح هؤلاء الملائكة المقربين لربنا جل جلاله.

كذلك من الأمور التي يوكلها الله جل وعلا إلى الملائكة وتندرج ضمن علاقة الملائكة ببني آدم، أن الملائكة تستغفر للمؤمنين، وقد مضت الآية في استغفار حملة العرش للمؤمنين، ومنه أن الملائكة تبشر المؤمنين أنبياء كانوا أم غير أنبياء، فأما الدليل على أنهم يبشرون الأنبياء ما ورد أنهم بشروا إبراهيم عليه الصلاة والسلام بالولد، وبشروا زكريا {فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ} [آل عمران:٣٩]، وبشروا النبي صلى الله عليه وسلم فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم وغيره أنه قال: (جائني جبريل فقال: يا رسول الله هذه خديجة أتتك بطعام أو إدام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأها من الله ثم مني السلام وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب) ونبينا صلى الله عليه وسلم أخبر أن رجلاً خرج من قرية إلى قرية ليزور أخاً له في الله فأرصد له في مدرجة الطريق، أي في عرض الطريق ملكاً فسأله: لم تذهب إلى فلان؟ فأخبره أنه يحبه في الله، لا لنعمة يربها، له فأخبر ذلك الملك ذلك العبد بقوله: (وإني رسول الله إليك أن الله يحبك لأنك أحببته فيه) أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وفي هذا دليل على أنه ليس شرطاً أن يكون فيمن تأتيه الملائكة أن يكون نبيناً، فقد تأتي الملائكة رجلاً غير نبي كما في حديث الأبرص والأعمى والأقرع في الملأ من بني إسرائيل، وهذا دليل على أن الملائكة تبتلي بني آدم، ولذلك كان عمر رضي الله تعالى عنه يوصي أصحابه ويقول لهم: قد يأتيكم من ليس بإنس ولا جن يختبر صنيع الله فيكم، أي ربما يأتيك يوماً من الأيام سائل يسألك أن تعطيه، وهو ليس محتاجاً، قد لا يكون إنساً وقد لا يكون جناً، قد يكون ملكاً من الملائكة يختبر صنيعك فيما آتاك الله جل وعلا.

وهذا استنباط من عمر رضي الله تعالى عنه إن صحت الرواية إليه، لكن الحديث في بني إسرائيل: في الأقرع والأعمى والأبرص يعضد هذا الاستنباط الذي ذهب إليه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه.

ومن وظائف الملائكة وعلاقتها بالمؤمنين: الذود والدفاع عنهم، ولذلك أنزل الله الملائكة مسومين يوم بدر يدافعون عن دين الله جل وعلا، ويعضدون محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه في يوم بدر، وهذا وارد في صريح القرآن، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه لما توعده أبو جهل أن يفعل به ويفعل إذا هو سجد لله كرة أخرى عند الكعبة، فجاء ذات يوم ونبينا عليه الصلاة والسلام ساجد بين يدي الله عند الكعبة فاستنفرت قريش أبا جهل فقالوا له: يا أبا الحكم اذهب واصنع ما وعدت به فعاد أبو جهل يرجع القهقرى ويضع يديه، فلما سألوه، قال: والله لقد رأيت بيني وبينه هولاً وخندقاً وناراً وأجنحة، قال صلى الله عليه وسلم: (والله لو دنى مني لاختطفته الملائكة عضواً عضواً) فهذا من دفاع ملائكة الله المقربين لرسولنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم.