للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذم اليهود على ألسنة أنبيائهم]

وهنا نجنح ونتحدث عن اليهود اليهود أمة ملعونة على ألسنة أنبيائهم والمقصود: الكفار منهم، قال الله جل وعلا: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} [المائدة:٧٨].

وهم أشد الناس عداوة لأهل الإيمان، قال تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة:٨٢].

وتطاولهم على أنبياء الله ورسله أمر ذكره الله في القران، قال تعالى: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} [البقرة:٨٧].

بل إنهم تطاولوا على رب العالمين فإن الله جل وعلا لما بعث خير خلقه وصفوة رسله محمد صلى الله عليه وسلم حاربه اليهود وتطاولوا على الذات العلية في حياته صلى الله عليه وسلم، فلما أنزل الله جل وعلا على نبيه قوله: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} [البقرة:٢٤٥]، قالت اليهود: يا محمد! افتقر ربك فسأل عباده القرض، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.

فأنزل الله جل وعلا قوله: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْر ِحَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [آل عمران:١٨١]، ثم تطاولوا فزعموا -عليهم من الله اللعنة- أن الله بخيل يشح بما يعطي، فأنزل الله جل وعلا تنزيه ذاته العلية ورده على أولئك المغضوب عليهم بقوله: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا} [المائدة:٦٤].

اليهود قوم جبلوا على الحسد، تقول صفية بنت حيي بن أخطب -كما ذكر ابن إسحاق بإسناد جيد في السير- قالت: إن أباها حيي بن أخطب، وعمها أبا ياسر لما علما بمقدم الرسول صلى الله عليه وسلم خرجا في ضواحي عمر بن عوف -أي: عند قباء اليوم- ينتظرون قدوم النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رأوه وهو قادم عليه الصلاة والسلام، واليهود كما تعلمون قوم أوتوا الكتاب وكانوا على علم عظيم، فلما رأوه عرفوه فرجعوا وفيهم ما فيهم من الحقد والبغض لنبينا صلى الله عليه وسلم، تقول صفية رضي الله تعالى عنها -ومعلوم أنها أسلمت وتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم-: فسمعت عمي يقول لأبي: أهو هو؟ قال: نعم، هو بعينه، قال: أتعرفه؟ قال: نعم، هو كما عندنا في وصفه، فقال أبو ياسر بن حيي: فما رأيك نحوه؟ قال: عداوته ما بقيت، ما تبلوا عليه والعياذ بالله من كفر وحسد للمؤمنين، قال الله جل وعلا: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ} [البقرة:١٤٦]، أي: محمد صلى الله عليه وسلم، {كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة:١٤٦]، ولكن -والعياذ بالله- منعهم الكبر والحسد عن اتباع هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وفيه إشارة عظيمة لما يمكن أن يصنعه الحسد في الصدور أخلص الله سريرتي وسريرتكم، وصفَّى الله صدري وصدركم.