للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أنواع العبودية]

والعبودية نوعان: عبودية قهر، وعبودية متعلقة بالعبادة.

فأما العبودية العامة وهي عبودية القهر فيدخل فيها الناس جميعاً: أبراراً وفجاراً مؤمنين وكفاراً، قال الله جل وعلا: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم:٩٥]، وقال تبارك وتعالى قبلها: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا} [مريم:٩٣ - ٩٤].

فجميع المؤمنين وجميع الكفار، وجميع الأبرار وجميع الفجار عبيد لله تبارك وتعالى لا يخرجون عن أمره ولو مثقال ذرة.

أما العبودية الخاصة الواردة هنا فإنها من نوع العبودية الخاصة التي هي مقام عظيم يتفاوت الناس فيه، وكلما كان الإنسان لله أطوع ومن الله أخوف قائماً بأوامر الله مجتنباً نواهيه كان راقياً في هذا السلم، وهذا السلم على ذروته وقمته محمد صلى الله عليه وسلم، قال عليه الصلاة والسلام: (لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله)، وقال الله جل وعلا: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء:١]، وقال الله تبارك وتعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان:١]، وقال جل ذكره: {لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} [النساء:١٧٢]، والله جل وعلا أثنى على داود في الآية التي شرحناها: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ} [ص:١٧] وهنا لما كان من أيوب ما كان من عمل صالح وصبر على البلاء وطاعات متتابعة أثنى الله جل وعلا عليه بهذا الثناء العظيم الذي سيظل يتلى على لسان المؤمنين الأطهار إلى أن تقوم الساعة قال الله جل وعلا: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص:٤٤].

فهذا مجمل قصة أيوب، وفيها دلالة ظاهرة لا تغيب عن أحد أنه ينبغي أن يستقر في قلبك وقلوبنا جميعاً أن الله تبارك الله وتعالى بيده وحده النفع والضر، وبيده وحده المنع والعطاء، وأن زيداً أو عمراً على سلطانه، أو إذا كثرت أمواله أو قلت، أو إذا عظم جاهه أو حقر، أياً كان أمره إنما هو سبب يصيب ويخطي، ويجرى على يديه أمر أولا يجرى على يديه أمر والأمور كلها بيد الله تبارك وتعالى، فاسأل الذي لا تنفد خزائنه، وافزع إليه في ثلث الليل الآخر خاصة وفي كل آن وحين، واسأله تبارك وتعالى من خيري الدنيا والآخرة، لا تحتقرن شيئاً، ولا تستعظمن شيئاً، واعلم أن ما عند الله تبارك وتعالى خير وأبقى، وأن الدعاء والذلة والانكسار بين يدي الله تجعلك قريباً من الله تبارك وتعالى، وتجعلك قريباً من عفوه ورحمته والله ذوالفضل العظيم.