للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بيان معنى الحكمة وشروطها]

السؤال

ما هي الحكمة؟ وما شروطها؟

الجواب

اختلفت أقوال أهل العلم رحمهم الله في تفسير الحكمة، فأحياناً تأتي في القرآن بمعنى الكتاب، وأحياناً تأتي بمعنى السنة، وأحياناً تأتي بمعنى النبوة، ولكنها إذا أطلقت فإن المراد بها: وضع الأمور في نصابها أو على الأصح قيل إن المراد بها: القول النافع والعمل الصالح.

وأياً كان التعريف فإنه قريب بعضه من بعض.

أما شروطها فإن للحكمة شروطاً متعددة، وهي في الغالب ثلاثة: العلم، والحلم، والأناة.

أما العلم فدليله قول الله جل وعلا: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:١٩]، والإنسان إذا كان لا يعلم ما هو المقبول وما هو المردود، وما هو الصحيح وما هو السيئ، وما هو الحق وما هو الباطل، وما هو الراجح وما هو المرجوح، من أين له أن يفصل في الأمور، ومن أين له أن يدرك وأن يبين للناس حقيقة ما يسألونه عنه، فلذلك كان أول شروط الحكمة: العلم.

الشرط الثاني: الحلم، والحلم صفة متوسطة بين صفتين وهما: الغضب والبلادة، فمن الناس من يغضب لأدنى كلمة، ومن الناس من لا يتحرك لأي كلمة، فالحلم فضيلة بين هاتين الرذيلتين، والحلم يحتاج المرء معه أحياناً لأن يكون جهولاً، ولذلك قال النابغة الجعدي: ولا خير في حلم إذا لم تكن له بوادر تحمي صفوه أن يكدرا وقد قيل: إنه لما قال هذا البيت من الشعر قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (لا فض فوك).

وقيل: إن النابغة الجعدي عاش بعد ذلك عمر طويلاً بلغ مائة وخمسين عاماً ومع ذلك لم تسقط له سن ببركة هذا الدعاء النبوي.

ولكن عندما تنتهك حرمات الله جل وعلا يجب أن تغضب، وعند الأمور التي تكون بين وبين فتجمل بالحمل؛ لأن الله جل وعلا وصف به الأخيار: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة:١١٤]، وصف به النبي صلى الله عليه وسلم أشج بن عبد القيس وقال له: (إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة).

الشرط الثالث من شروط الحكمة هو: التأني، وكما أن الحلم فضيلة بين رذيلتين فكذلك التأني فضيلة بين رذيلتين هما: العجلة والبطء الشديد، ولكن هذا الأمر ليس على إطلاقه، فإن الإنسان بين أمرين: إما دنيوي وإما أخروي، فأما الأخروي الذي جاءت به الشرائع فينبغي للعبد أن يعجل فيه، قال الله جل وعلا: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه:٨٤]، وقال الله تبارك وتعالى يمدح آل زكريا: {إنَّهَم كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} [الأنبياء:٩٠]، وأما غير ذلك فإن المرء يحتاج إلى أن يتزين بزينة الحكمة، وأن يتبين صلاح الأمور، وأن يعرف مخرجه ومدخله، ولا يتكلم في أمر حتى يكون على بينة منه.