للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ترك الحسد]

فالكبر أيها المؤمنون رداء ينبغي لكل مؤمن أن ينزعه من نفسه.

وكما ينزع الإنسان الكبر عن نفسه ينزع داء الحسد، فإن الله جل وعلا جعل هذه القلوب أوعيه، وأعظم القلوب قرباً من الله من سلمت من الشرك وعمرت بالتوحيد، وسلمت من البدعة وعمرت بالسنة، وسلمت من الحسد وعمرت بالمحبة للغير، ومعرفة قدر الناس، وإنزال الناس منازلهم.

هذا هو المؤمن الموفق المسدد، والحسد مركب في كل جسد، لكن الله لا يحاسب على أنه موجود في أجسادنا، إنما يحاسب إذا أثمر ذلك الحسد قولاً أو فعلاً حرمه الله أو حرمه رسوله صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا جاءت الاستعاذة منه مقيدة في كتاب الله، قال الله جل وعلا: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق:٥]، ولم تأت على إطلاقها.

وإبليس حسد أبانا آدم على ما أفاء الله عليه مع الكبر الذي في قلبه، وقابيل حسد أخاه هابيل لما قبل الله قربان الثاني ولم يقبل قربانه، فكان ذلك الحسد في قلبه سبباً لقتله لأخيه، {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} [المائدة:٢٩].

ونبيكم صلى الله عليه وسلم، لم يكن يحمل في قلبه الحسد؛ لأنه يعلم أن الله وحده هو الذي يخفض ويرفع، وهو الذي يعطي ويمنع، وهو الذي يقطع ويصل جل جلاله، والإنسان إذا رأى نعمة من نعم الله على غيره لا يشتغل بذلك الغير، إنما يسأل الذي وهبه أن يهبه مثلها، فسل الله، فالله جل وعلا يحب الملحين عليه بالسؤال، وبني آدم لو سألته يغضب.

والمقصود أيها المؤمنون أنه ينبغي للمؤمن أن يوطن نفسه أن لا يكون في قلبه حسد على المؤمنين، قال صلى الله عليه وسلم يدعو إلى المحبة والألفة بين هذه الأمة: (لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تناجشوا وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، وحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم)، وهذه الأخير مردها إلى الأول، وهو رداء الكبر الذي بيناه.

والمؤمن إذا كان عظيم الثقة بالله يحسن الظن بربه ويعلم أن المقادير بيد الله قلما يكون في قلبه حسد، أما إن كان لا يعرف ربه إلا قليلا كان يغلب عليه الظن أن العطايا مردها إلى أمور مادية وليس مردها إلى العلي الكبير، فيستوطن الحسد في قلبه عياذاً بالله، والحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، وهو في الأقران أكثر، وفي النساء أشد، لكن ينبغي على كل مؤمن ومؤمنة أن يوطن نفسه، أو توطن المرأة نفسها ألا يكون في قلبها حسد لإخوانها أو أخواتها المؤمنات.