للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التأمل في فضل الله على العباد]

مما يزيد المؤمن يقينا بعظمة ربه: رؤياه لأفضال ربه على خلقه، ذلك الفضل الخاص إن كنا حررنا الفضل العام بما حمل الله به الناس في البر والبحر يرى العبد فضل الله جل وعلا الخاص على بعض خلقه كيف أن الله جل وعلا اصطفاهم واجتباهم وما كان لهم أبداً أن يصلوا إلى ما وصلوا إليه من العطاء ولن ينالوا هذه المنح الربانية والعطايا الإلهية إلا بفضل الله جل وعلا.

وقد اختلف الناس في المسيح عيسى ابن مريم شرقوا فيه وغربوا قالت فيه اليهود ما قالت، وزعمت النصارى فيه ما زعمت قال الحق تبارك وتعالى عنه: {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} [الزخرف:٥٩].

فما المسيح إلا عبد لكنه قيد بأن الله جل وعلا أنعم عليه فنعمة الله عليه هي التي جعلته آية للناس محتفى به في السماوات العلى وينزل في آخر الزمان فهذه كلها عطايا ربانية ومنح إلهية، والله يقول: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام:١٢٤].

وعندما يرى العبد ما أفاء الله على خليله إبراهيم وكيف أن إبراهيم عبداً مجتبى وحبيباً مصطفى ونبياً مرتضى صلوات الله وسلامه عليه أثنى الله عليه حتى على ألسنة أعدائه وخصومه: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:٦٧ - ٦٨]، وكلها آيات تدل على عظيم رفيع قدره صلوات الله وسلامه عليه.

وقبل أن تبحر في معرفة فضل إبراهيم وعلو منزلته استبق إلى ذلك بأن تعلم أن الله جل وعلا هو الذي تفضل عليه، ونظير هذا أن تنظر فيمن آتاهم الله القدرة فإذا رأيت عظيم قدرتهم تأملت بحق قدرة ربك جل وعلا.

قال الله جل وعلا على لسان نبيه سليمان: {قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ} [النمل:٣٩ - ٤٠] سواء كان جنياً أو إنسياً أو سليمان أو غيرهم: {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ} [النمل:٤٠] أي: رأى سليمان العرش، {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي} [النمل:٤٠].

إذا كانت قدرة مخلوق أن يأتي بعرش بلقيس من أرض اليمن إلى أرض فلسطين فكيف بقدرة الله جل جلاله؟! هذا مما يقود العبد ويسوقه لمعرفة بعض العلم عن ربه تبارك وتعالى.

وعلى الجانب الآخر والنظير مثله يتأمل العبد لمن أهلكهم الله ممن عصوه، من الأمم الغابرة وأهل الأزمنة السابقة ممن نازعوا الله في ربوبيته وحاربوا أولياءه وكذبوا رسله، كيف أن الله جل وعلا أذاقهم ما أذاقهم مما يدلل على عظيم جبروته وسلطانه، قال تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ} [إبراهيم:٤٢]، وليس هلاك عاد وثمود والمؤتفكات وغيرها بخاف على أحد حتى يحرر ويسطر لكنها كلها تدل على عظمة الجليل العظيم الأجل تبارك وتعالى.