للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرد على المعتزلة في زعمهم أن القرآن مخلوق]

الوقفة الثانية: مع قول الله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الزخرف:٣].

وسيتم التفصيل حول معنى الفعل (جعل) في القرآن؟ وأنتم تسمعون بالمعتزلة، وهي فرقة تنسب إلى الإسلام، وتقوم على بنود خمسة، وهي معتقدات خمسة عندهم.

ولا ينفع يا بني أن تقول: المعتزلة ضلال، المعتزلة بعيدون، فأقول: نعم؛ المعتزلة ضلال بعيدون، لكن لن تستطيع أن تدافع عن رأي حتى تتصف بصفتين: تقتنع به، وتفهمه، فلا بد أن تفهم ما تدافع عنه، ولا بد أن تكون مقتنعاً به، فليس كل ما فهمته اقتنعت به، فقد تفهم السورة جيداً لكنك لا تقتنع بها، وقد تفهم المثال جيداً لكنه غير مقنع، فحتى تكون مقتنعاً في دفاعك عن أهل السنة سلك الله بنا وبك في سبيلهم، والرد على المعتزلة لابد من أمرين: اقتناعك بمذهبك وبطريقة أهل السنة، مع فهمك لأقوالهم، وفهمك لأقوال معارضيهم حتى تتمكن.

فالمعتزلة فرقة تقوم على خمسة أشياء بالأكثر: على التوحيد، وهم يسمونه التوحيد، والعدل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمنزلة بين المنزلتين، ومن ضمن ما قالته المعتزلة: إن القرآن مخلوق، وهذا من أعظم خلافهم مع أهل السنة فقد زعموا أن القرآن مخلوق، ولهم أدلة منها: أن الله قال في الزخرف: {حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الزخرف:١ - ٣]، فقالوا: أنتم تكابرون، فالله يقول: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام:١]، ومعنى ذلك: خلق الظلمات والنور.

والله جل وعلا يقول: {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء:١]، ويقول في آية أخرى: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [الأعراف:١٨٩]، أي: خلق منها زوجها، فيقولون في مخاطبتهم لنا: علامَ الكبر؟ الله يقول: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الزخرف:٣]، (وجعل) بمعنى: خلق، فلماذا تكابرون وتقولون: إن القرآن غير مخلوق؟ فهذا هو الإشكال.

وقبل أن نتكلم عن الفعل (جعل) نأتي بنظائر حتى لا تصبح المسألة مسألة عاطفة.

فهناك أفعال وكلمات في اللغة لا يظهر معناها إلا من سياق الجملة، بمعنى: أنها في كل سياق لها معنى، ومثال ذلك: أنك أنت قد تكون واقفاً وزميلك يستعجل بك ويقول: هيا نذهب، هيا الموعد فات، فأنت تقول له: أنظرني؟ ومعنى أنظرني: أمهلني، فقد جاء ذكرها في القرآن: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد:١٣]، أي: أمهلونا، وانتظرونا، حتى نصل إليكم فنأخذ منكم نوراً.

وقد يأتيك رجل وأنت عندك ابنة فيقول لك: أريد أن أخطب ابنتك منك، فقلت له: سأنظر في الأمر، أي: أفكر فيه، إذاً: (نظر) الأولى غير (نظر) الثانية، مع أن الفعل واحد وهو: نظر، لكن قولك: نظرت في الأمر عندما تعدت بحرف جر غير (نظر) بمعنى من غير تعدٍ (لازم)، فأصبحت بمعنى: أمهلني، وهنا أصبحت بمعنى: أتفكر وأتدبر، قال الله جل وعلا: {أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الأعراف:١٨٥] يعني: يتدبرون.

نأخذ مثالاً آخر: تقول للرجل: إلامَ تنظر؟ فيقول لك: أنظر إلى تلك الكتابة المعلقة، فهو يقصد النظر بالعين الباصرة الحقيقية، وتقول: نظرت إليك، أي: أبصرتك، والفعل هو نفسه.

والله جل وعلا يقول: {ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ} [الزخرف:١٣]، ومعنى (استويتم عليه) أي: ركبتم وعلوتم، ويقول وهو أصدق القائلين في القرآن: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} [القصص:١٤]، هل في أحد عاقل يقول: ولما بلغ أشده وركب، فمعنى استوى: كَمُل ونضج.

ويقول جل وعلا: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ} [البقرة:٢٩]، وهنا ليست بمعنى: علا، وليست بمعنى كمل، وإنما بمعنى: انصرف إلى وقصد، فتعددت المعاني والفعل واحد وهو: استوى، لكن من السياق عرفنا أن له عدة معانٍ.