للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقفة مع قوله تعالى: (ولما ضرب ابن مريم مثلاً إذا قومك)

الملقي: الوقفة الأخيرة: وهي مع قوله تعالى: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} [الزخرف:٥٧]، حيث تعنى الوقفة بما يلي: أولاً: بيان ضارب المثل.

ثانياً: الجمع بين الإفراد والجمع في الآية التي بعدها.

ثالثاً: إظهار المعنى الأرجح لقوله سبحانه: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [الزخرف:٦١].

الشيخ: هذه الآيات نختم بها، وهي هامة جداً في أن تتصورها علمياً، ولا يمكن فهم القرآن بغير السنة، وسورة الزخرف قلنا: إنها سورة مكية، ومن السور المكية سورة مريم، وسورة مريم فيها ثناء على عيسى، وإخبار أن النصارى عبدت عيسى.

ومن السور المكية سورة الأنبياء، قال الله في الأنبياء: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [الأنبياء:٩٨]، وقد كان هناك صراع بين النبي صلى الله عليه وسلم والملأ من قريش، فذات مرة كان هناك رجل قرشي اسمه عبد الله بن الزبعرى، وعبد الله هذا أسلم بعد ذلك حتى لا أحد يقع فيه، لكنه قبل إسلامه كان بليغاً فصيحاً ورجلاً ذا جدل، فجلس مع المكيين، فالمكيون يقولون: إن محمداً صلى الله عليه وسلم يقول: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء:٩٨]، فقال لقريش: للوليد وأبي جهل: فسكتم؟ قالوا: سكتنا، قال: أما تعرفون كيف تردون؟ قالوا: كيف نرد؟! قال: ألم يثن محمد على عيسى؟ قالوا: نعم، فقال: إن محمداً يقول: إن الآلهة ومن يعبدها في النار، ونحن نرضى أن نكون مع آلهتنا في النار إذا كان عيسى مع من يعبده في النار، فيكفينا فخراً أن نكون نحن وآلهتنا والنصارى وعيسى في النار، وكلام محمد متناقض؛ لأنه يقول لكم: إن عيسى نبي ومرسل ومصدق، ويقول في نفس الوقت: إن عيسى في النار.

ففرح القرشيون بكلامه وضجوا.

والآية فيها قراءتان: قال الله تبارك وتعالى: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} [الزخرف:٥٧] (يصِدون) -بالكسر- و (يصُدون) بالضم، معناه: يضجون بالحديث، فإذا قلنا: إن الآية في قراءة (يصدون) أصبحت منه، أي: بسببه، وإذا قلنا: يصدون بالكسر، تصبح منه هنا: أي عنه، أي: يعرضون عنه.

فلما قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وفرح القرشيون، أنزل الله جل وعلا قوله: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء:١٠١]، مع أنه ليس لـ عبد الله بن الزبعرى حجة فيما قال؛ لأن الآية تتكلم عن غير العاقل: (إنكم وما تعبدون).

يقول الله: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا} [الزخرف:٥٧] الذي ضرب المثل هو عبد الله بن الزبعرى السهمي، وضرب المثل بعيسى، قال الله: {إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} [الزخرف:٥٧] أي: يعرضون عنك، وقالوا في مثلهم: {أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ} [الزخرف:٥٨] يعني: نقبل أن تكون آلهتنا مثل عيسى في الحال، قال الله: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف:٥٨]؛ لأن أمرهم هذا لا يقوم على حجة؛ لأن (ما) في قول الله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الأنبياء:٩٨] تدل على غير العاقل.