للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إشكال وجوابه]

لكن يبقى إشكال وهو: أن الله قال: (ما ضربوه) بواو الجماعة، ونحن قلنا: إن الذي ضرب المثال رجل واحد وهو عبد الله بن الزبعرى، والجمع أن يقال: هناك أمران: الأمر الأول: أن العرب جرى في كلامها أنها تطلق الفرد وتريد الجماعة، وتطلق الجماعة وتريد الفرد، قال قائلهم: فسيف بني عبس وقد ضربوا به نبا بيدي ورقاء عن رأس خالد ومعنى البيت: أنه كان هناك رجل اسمه ورقاء بن جهير، فجاء رجل اسمه خالد فقتل: جهيراً والد ورقاء، فغضبت قبيلته بنو عبس، فجاء ورقاء ينتقم لأبيه، وأخذ السيف وهو رجل واحد، وأراد أن يضرب خالداً لكن السيف نبا، أي: أخطأ ولم يصب، والعرب تقول: لكل سيف نبوة، ولكل عالم هفوة، ولكل صديق جفوة، ولكل جواد كبوة.

فالجواد إذا عثر يقال: كبا، والصديق إذا بعد يقال: جفا، والسيف إذا لم يصب يقال: نبا، والعالم إذا أخطأ يقال: هفا، ولا يسلم أحد من ذلك.

الشاهد: أن الشاعر يريد أن يسخر من بني عبس، فجمع ما بين الأمرين اللذين نريد إثباتهما في القصة، فقال: فسيف بني عبس وقد ضربوا به فتكلم عن الجماعة ثم أفرد فقال: بيدي ورقاء، وورقاء رجل واحد.

فهذا من الأدلة على أن العرب تذكر الجمع وتريد به الإفراد.

والأمر الثاني: أن الإنسان إذا أيد قولاً فإنه يصبح كالمشارك فيه، فالجاهليون فرحوا بقول عبد الله بن الزبعرى فكانوا شركاء معه، قال الله جل وعلا: {إِذْ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا} [الشمس:١٢]، وقال: (فعقروها) فذكر فرداً، وذكر جماعة؛ لأنهم كانوا راضين عن صنيع من عقر الناقة، فالذي ضرب المثل هو عبد الله بن الزبعرى.

قال الله: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف:٥٧ - ٥٨]، ثم قال الله بعد هذه بآيتين: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} [الزخرف:٦١]، وفي قراءة: (وإنه لَعَلَم للساعة).

والأولى هي المشهورة عندنا.

{وَإِنَّهُ} [الزخرف:٦١] الضمير في (إنه) يعود على عيسى، هذا أرجح الأقوال، ولا ينبغي أن يقال غيره، وإن كان بعض العلماء قد قال بغيره لكنه بعيد جداً، فسنبقيه على عيسى.

{وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} [الزخرف:٦١] يحتمل معنيين: الجمهور على أن معناه: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} [الزخرف:٦١] أي: وإنه أمارة وعلامة من علامات الساعة، أي: نزول عيسى علامة من علامات الساعة، وهذا تؤيده السنة.

وقال آخرون -وهو منسوب لـ مجاهد فيما أظن وغيره لكنه بعيد-: إن المعنى: إن قدرة عيسى على إحياء الموتى دلالة على قدرة الله على إحياء الناس؛ لأن الذي أعطى عيسى القدرة هو الله، لكن هذا القول بعيد، والصواب: أنه أمارة من أمارات الساعة.