للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اختلاف العلماء في تحديد ليلة القدر]

الوقفة الرابعة: مع ما جاء في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد: ثم لما كان صبيحة يوم عشرين خرج صلى الله عليه وسلم إلى الناس وقال: (إنني كنت قد اعتكفت العشرة الوسطى أتحرى ليلة القدر، وإنني قد أخبرت بأنها في العشر الأواخر، فمن كان معتكفاً فليبقى معي، وإنني أريت أنني أسجد في صبيحتها في ماء وطين)، قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: فأمطرت السماء تلك الليلة فوكف المسجد، وكان سقفه من جريد النخل، فصلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم الصبح، ثم رأيته ينصرف من صلاة الصبح وأثر الماء والطين في وجهه صلوات الله وسلامه عليه، وكانت تلك الليلة ليلة إحدى وعشرين.

ومن هنا أخذ من قال من العلماء إنها ليلة إحدى وعشرين، وبسط القول فقهياً لا وعظياً في ليلة القدر على النحو التالي: قال بعض العلماء: إنها ليلة النصف من شعبان، وهذا ينسب إلى عكرمة، وهو مرجوح جداً؛ لأن القرآن يعارضه، قال الله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر:١]، وقال جل وعلا: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة:١٨٥].

وينسب إلى زيد بن أرقم وعبد الله بن مسعود أن ليلة القدر هي ليلة السابع عشر من رمضان، ودليلهم آية الأنفال: {إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} [الأنفال:٤١]، فقال الله جل وعلا: (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ)، ويوم بدر كان يوم السابع عشر من رمضان، فقالوا: إن هذا دليل على أنها ليلة السابع عشر من رمضان.

وأكثر علماء الأمة الباقون على أنها في العشر الأواخر، وهو الذي تدل عليه الأحاديث الصحيحة الصريحة.

ثم إن الذين قالوا: إنها في العشر الأواخر -وهذا هو الحق- انقسموا إلى قسمين في أصل القضية فقهياً: ففريق قال: إنها تتنقل، والدافع إلى القول بأنها تتنقل عدم إمكانية الجمع بين الأحاديث، فقد ورد في صحيح البخاري أنها ليلة إحدى وعشرين، وورد في صحيح البخاري أنها ليلة ثلاث وعشرين، وأقسم أبي أنها ليلة سبع وعشرين، وفي المسند من حديث ابن عمر أنها ليلة أربع وعشرين، فقالوا: لا يمكن الجمع ما بين هذه الأحاديث إلا أن نقول: إن ليلة القدر تتنقل في كل عام، إلا أنها في ليال الوتر أرجى منها في ليال الشفع، ولا يلزم أن تكون في ليالي الوتر فقط، لكنها أرجى في ليالي الوتر من ليالي الشفع.

الفريق الآخر قالوا: لا تتنقل، بل هي ليلة أنزل فيها القرآن، فهذه الليلة من كل عام تكون ليلة القدر، وهؤلاء اختلفوا في تحديدها، فمذهب الشافعي -فيما أظن الساعة- أنها ليلة أربع وعشرين، ومذهب أبي بن كعب وعليه أكثر العلماء أنها ليلة سبع وعشرين، وكان أبي رضي الله عنه يقسم كما رواه مسلم في الصحيح من طريق زر بن حبيش.

وبعض العلماء يرى أنها ليلة إحدى وعشرين، وآخرون يرون أنها ليلة تسع وعشرين.

وجملة القول أن يقال: إن من قام رمضان كله وافق ليلة القدر، ثم نقول: من قام العشر الأواخر كلها بإذن الله ورحمته يكون قد وافق ليلة القدر.