للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر ما يحصل به العطاء الإلهي]

إن الله جل وعلا له سنن لا تتبدل ولا تتغير، وليس بينه وبين أحد من خلقه نسب، والعطاء الإلهي لأي أحد يكون بمقدار ما في قلب ذلك العبد لله تبارك وتعالى، ألا ترى أن خليل الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام وطئ على صخر ليرقى عليه ليكمل بنيان الكعبة، والصخر لا يؤثر فيه شيء، فلما ألان إبراهيم قلبه لله ألان الله جل وعلا الصخر تحت قدميه، فأصبح مقام إبراهيم آية ينظر إليها الناس يرون فيها أثر قدمي إبراهيم على صخر فانشغلوا بهذا الأثر حساً، ونسوا المعنى العظيم الذي وراءه، كما قال أبو طالب: وموطئ إبراهيم في الصخر رطبة على قدميه حافياً غير ناعل لقد كان أمراً مشهوداً، وإن اندثر من كثرة مسح الناس عليه ممن لا يعرف الأحكام الشرعية.

فالغاية من هذا أن يعرف المرء أن لله جل وعلا سنناً لا تتبدل ولا تتغير، وحظك من الرب تبارك وتعالى بناءاً على ما يكون في قلبك من حبك لله، ورغبتك فيما عند الله جل وعلا من النعيم، وصدق سريرتك، وكمال إخلاصك، وحسن طويتك، وبمثل هذا يستجدى ما عند الله من النعيم.

لقد قالت هاجر وهي تتبع زوجها إبراهيم: آالله أمرك بهذا؟ قال: نعم.

قالت: إذاً لا يضيعنا.

فبقيت عليها السلام هي وابنها، فلما انتقص الماء ونفد أخذت تمشي بين الصفا والمروة، فجعل الله جل وعلا ماء زمزم كرامة لـ هاجر وفرجاً لإسماعيل، وهذه عطية إلهية، ثم توالت أقدام الأنبياء على هذا الموطن تسعى بين الجبلين الصفا والمروة كما كانت هاجر تسعى بينهما من قبل، فأحيا الله جل وعلا سنتها وأقام الله جل وعلا شريعة ابتدأتها لما كان من في قلبها من قنوت واستسلام ورضاً بالرب تبارك وتعالى.

وعلى الضد من ذلك فإن الذنوب شؤم على أصحابها، ووبال على أهلها، قال سبحانه: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا} [نوح:٢٥] وقال: {وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ * وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ * فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت:٣٨ - ٤٠]، فنجأر إلى الله من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم إنا نعوذ بك من ذل الفضيحة يوم العرض عليك.