للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تحقيق الوجل من الله بتذكر الحوض المورود]

بقيت الرابعة، وهي أن يكون هناك موعد، وأن يكون هناك رجاء، وهذا الموعد هو الحوض المورود حوض نبينا صلى الله عليه وسلم، وفي الصحيح وغيره (أنه صلى الله عليه وسلم تلا: بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} [الكوثر:١ - ٣] ثم قال لأصحابه: أتدرون ما الكوثر؟ قالوا: الله ورسوله أعلم.

قال: نهر في الجنة عليه خير كثير وعدنيه ربي، ترد عليه أمتي يوم القيامة) والناس يحشرون يوم القيامة عراة ليس عليهم ثياب، عطشى أحوج ما يكونون إلى الماء، تدنوا منهم الشمس فهم أحوج ما يكونون إلى الظل، والموفق من جمع الله له حلل الإيمان وورد حوض نبي الرحمن، وجعل تحت ظلال عرش رب العزة والجلال جل جلاله، أسأل الله أن يجمعها لي ولكم.

والكوثر نهر في الجنة له ميزابان يصبان في الحوض المورود، والحوض خارج الجنة في عرصات يوم القيامة قبل أن يدخل الناس الجنة، وأما الكوثر فالأصل أنه في الجنة، وترد هذه الأمة على هذا الحوض، قال عليه الصلاة والسلام بعد أن زار المقبرة: (وددت لو أني رأيت إخواني، فقالوا: يا رسول الله! ألسنا إخوانك؟! قال: بل أنتم أصحابي، ولكن إخواني لم ياتوا بعد) قال: (وأنا فرطهم على الحوض) أي: سابقهم إليه.

فقالوا: (يا رسول الله! كيف تعرف من يأتي بعدك من أمتك؟! قال: أريتم لو أن لأحدكم خيلاً غراً محجلة في خيل دهم بهم أكان يعرف خيله؟! قالوا: بلى يا رسول الله.

قال: فإن إخواني يأتون يوم القيامة غراً محجلين من أثر الوضوء وأنا فرطهم على الحوض) صلوات الله وسلامه عليه.

وفي أيام بني أمية ظهرت طائفة تنكر الحوض، منهم عبيد الله بن زياد أحد الأمراء، كان في أول أمره ينكر الحوض، فدخل عليه أبو برزة الأسلمي أحد الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم فقال عبيد الله بن زياد لـ أبي برزة الأسلمي أأنت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الحوض؟ قال: لم أسمعه مرة ولا مرتين ولا ثلاثاً ولا أربعاً، بل سمعته أكثر من ذلك، ولما بلغ أنساً رضي الله عنه وأرضاه أن عبيد الله بن زياد ومن معه ينكرون الحوض ويمارون فيه دخل عليهم، فلما سمعهم كذلك قال: والله ما كنت أظن أن يأتي عليَّ يوم أسمع فيه من يماري في الحوض، والله لقد تركت في المدينة خلفي عجائز ما صلت إحداهن لله صلاة إلا وسألت الله فيها أن يسقيها من حوض نبيهن صلى الله عليه وسلم.

فما عند الله يطلب بالعمل الصالح، يطلب بالإيمان، ويطلب بدعائه جل وعلا، فإن بالدعاء تذلل به الصعاب وييسر كل أمر عسير، فالله جل وعلا يقول: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم} [غافر:٦٠] وأعظم من الحوض دخول الجنة، وما الحوض إلا مقدمه لمن سقي منه لأن يدخل الجنة.

والجنة -أدخلنا الله وإياكم إياها- ثمانية أبواب، مابين مصراعي كل باب مسيرة أربعين عاماً، وليأتين عليها يوم وهي كظيظ من الزحام، وإن من أعظم الغبن أن يقول الله: إنها جنة عرضها السموات والأرض ثم لا يجد أحد منا فيها موضع قدم جعلنا الله وإياكم من أهلها.

وفي الجنة باب لهذه الأمة، وأبوابها حسب الأعمال، فباب للمتصدقين، وباب لصائمين، وباب للجهاد، وأول من يطرق بابها نبينا صلوات الله وسلامه عليه، فيقول له الخازن: أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك، فيدخلها صلى الله عليه وسلم، ثم الأنبياء والمرسلون، ثم الصالحون الأمثل فالأمثل حتى إذا دخلوا فيها قيل لهم: يا أهل الجنة! إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه، فيقولون: وما هو؟! ألم يثقل موازيننا، ألم يبيض وجوهنا، ألم يجرنا من النار، ألم يدخلنا الجنة؟! فيكشف الحجاب فيرون وجه ربهم تبارك وتعالى، فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم أعظم ولا أجل من رؤية وجه الله تبارك وتعالى.