للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دعوة رسول الله الناس إلى الدين وصبره على الأذى]

فلما دنا من الأربعين كان لا يرى الرؤيا إلا وتقع مثل فلق الصبح، ثم نبئ (إقرأ) على رأس الأربعين، ثم أرسل بالمدثر بعد ذلك، قال الله له: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر:١ - ٤]، فأخذ يدعو الناس إلى دين الله بعد أن نبأه الله وبعثه وأرسله، فمكث في مكة ثلاثة عشر عاماً، فوضع على رقبته وهو ساجد وهو خير الخلق عند الله سلا الجزور، ولم يقدر أحد ممن آمن به آنذاك على أن ينصره، فقد كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه آنذاك مؤمناً يرى الأمر ولا يقدر على النصرة، حتى جاءت ابنته فاطمة رضي الله عنها وأرضاها وحملت سلا الجزور عن أبيها وأبوها عند الله سيد الخلق، ولكنها سنة الابتلاء الماضية، فلما رفع رأسه عليه السلام نظر في القرشيين، فدعا عليهم، قال عبد الله بن مسعود: والله لقد رأيت من دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم صرعى يوم بدر في قليب بدر.

فاستجاب الله دعوة نبيه، فلما اشتد عليه أذى القرشيين خرج إلى الطائف فصده أهلها، حتى قال قائلهم: ألم يجد الله أحداً يبعثه غيرك؟! فرجع صلى الله عليه وسلم إلى مكة، فأوبه الله جل وعلا في طريقه من الطائف إلى مكة، وفي الطريق أخذ يدعو الله، فلما قست قلوب الإنس عن أن تقبل كلامه ألان الله لنبيه قلوب الجن، فلما سمعوا القرآن وهو أطيب كلام من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أطيب فم مخلوق رقوا ودخل الإيمان في قلوبهم، قال الله تعالى: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} [الجن:١٩]، أي: لما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن كانت الجن يركب بعضها بعضاً من عظمة ما يسمعون، وقال الله تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ} [الأحقاف:٢٩ - ٣١]، اللهم اجعلنا من المجيبين لدعوته.