للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[آداب الاعتكاف]

ويحسن بالمعتكف أن يبقى في معتكفه في وقت العبادة من الذكر وقراءة القرآن والتسبيح والتهليل، وألا ينشغل بالخلائق عن الخالق، وأما وقت الصلاة فالأكمل في حقه أن يتقدم حتى يكون قريباً من إمامه.

والاعتكاف أيها المؤمنون إنما يراد به الانقطاع إلى رحمة رب العالمين جل جلاله، فيكون فيه ذكر الله وقراءة القرآن والتسبيح والتهليل، ولو نام شيئاً من نهاره حتى يستعين بذلك على العبادة بالليل كان أكمل وأعظم وأوفر؛ لأن ليلة القدر ليلاً لا نهاراً.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر:١ - ٥].

فاجتهدوا فيها بالدعاء والعبادة، وقد يوفق بعض الناس في أن يرى علامات على أنها ليلة القدر، لما روى الترمذي بسند صحيح من حديث عائشة أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن علمت أي ليلة هي ليلة القدر ماذا أقول فيها؟ قال العلماء: فقولها رضي الله عنها وعن أبويها: (أرأيت إن علمت) دل على أنها قد تعلم، فقد يضع الله جل وعلا بعض العلم لبعض خلقه من علاماتها وأماراتها، لكن لا يلزم من كون الإنسان لم ير علامة عليها على أنه لم يقمها ولم يحيها، فليس هناك تلازم ما بين العبادة والقبول وبين وجود أمارة وعلامة على أنها ليلة القدر.

فاجتهدوا في الأوتار، واجتهدوا في الشفع من كل الليالي، واعلموا عباد الله! أننا جميعاً لنا ذنوب نحب من الله أن يغفرها، ولنا عيوب نحب من الله أن يسترها، ولنا آمال نحب من الله أن يحققها، ولنا ديون نحب من الله أن يقضيها، ولنا مخاوف نحب من الله أن يؤمننا منها، وكل ذلك لا يعطيه ولا يدفعه إلا الرب تبارك وتعالى، فعلقوا بالله أنفسكم، واحمدوا الله كثيراً، وابدءوا الدعاء بكثرة الثناء عليه؛ فإنه لا أحد أحب إليه المدح من الله، ولذلك مدح نفسه، ثم صلوا بعد حمدكم لله والثناء عليه على نبيكم، ثم تقربوا إلى الله بصالح الدعاء ملحين موقنين بالإجابة؛ لعل الله أن يجعلنا وإياكم من عتقائه من النار.

ألا وصلوا وسلموا على خير من قام ليلة القدر، الشافع المشفع في عرصات يوم المحشر، {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:٥٦]، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك اللهم على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

وارض اللهم عن أصحاب نبيك أجمعين، وارحمنا معهم بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين! اللهم وفق ولي أمرنا بتوفيقك، وأيده بتأييدك، اللهم وفقه لهداك، واجعل عمله في رضاك، واجزه اللهم عن الإسلام وأهله خير الجزاء.

اللهم إنا نسألك بأن لك الحمد أنت الله لا إله إلا أنت الواحد الأحد، الفرد الصمد، الحي القيوم، الذي لم يلد ولم يولد، في السماء عرشك، وفي كل مكان رحمتك وسلطانك، تعطي وتمنع، وتخفض وترفع، وأنت الله لا إله إلا أنت الأعز الأكرم، أرجعت موسى إلى أمه، ورددت يوسف إلى أبيه، وجمعت بيعقوب بنيه، وجعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم، أنت الله لا إله أنت بيدك مقاليد كل شيء، أنت الله لا إله إلا أنت الحي حين لا حي، وجهك أكرم الوجوه، وعطيتك أحسن العطايا، واسمكم الأعظم أحسن الأسماء، أنت الله لا إله إلا أنت لا رب غيرك، ولا شريك معك، نسألك اللهم بمحامدك كلها يا ذا الجلال والإكرام! أن تصلي على محمد وعلى آله، وأن تعتقنا من النار، وأن ترزقنا يا الله قيام ليلة القدر على الوجه الذي يرضيك عنا، اللهم ارزقنا قيامها على الوجه الذي يرضيك عنا، اللهم ارزقنا قيامها على الوجه الذي يرضيك عنا.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.