للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفرق بين معنى (لو) ومعنى (لولا)]

قال الله في آخر السورة: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} [فاطر:٤٥].

المعنى: أن الله أخر الناس إلى أجل مسمى، ولا أريد أن أقف عند الشيء الواضح, لكن هذه وقفة لغوية تقودك إلى مسألة إيمانية عظيمة, وذلك أنه يوجد حرفان: (لو) و (لولا).

وفقه المسألة أن أي إنسان إنما يكون تفاعله قلبياً وخشوعاً وخضوعاً مع أي مسألة إذا كان يفهمها, أما إذا كان لا يفهمها فلا يمكن أن يتفاعل معها إلا في حالة واحدة, وهو أن يكون الكلام كلام الله فقط, يسمعه العجم فيبكون دون أن يعرفوا معناه لأنه كلام الله، فنقول: الحرفان (لو) و (لولا).

حرف (لو) حرف امتناع لامتناع.

وحرف (لولا) حرف امتناع لوجود معنى حرف امتناع لامتناع: أي لم يتحقق الجواب لعدم تحقق الشرط, فمثلاً: أنت تعد أخاك أن تزوره، تقول له: إذا توفرت لدي سيارة سأزورك، فلم تتوفر لديك سيارة, فلو سألك لم لم تزرني؟ ستقول له: لو وجدت سيارة لزرتك.

فالذي امتنع هو الجواب -وهو الزيارة- لامتناع الشرط, وهو وجود السيارة.

أما (لولا) فهو حرف امتناع لوجود, فمثلاً: إنسان واقف في المطر ثم من الله عليه برجل يحمله, فيقول: لولا أن مر علي زيد لابتلت ثيابي, أي فامتنع الجواب -وهو البلال- لوجود الشرط وهو مرور زيد.

هذا كله صناعة نحوية, لكن الصناعة النحوية آلة لفهم كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم.

أهل الجنة إذا قعدوا فيها يرون أماكنهم في النار التي نجاهم الله منها, وأهل النار إذا مكثوا في النار عياذاً بالله يرون مقاعدهم من الجنة التي حرموها.

الآن نأتي بـ (لو) ونأتي بـ (لولا).

يقول أهل الجنة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف:٤٣] هؤلاء المباركون -جعلني الله وإياكم منهم -وقعت عليهم الرحمة والهداية, ووجود الرحمة والهداية منعهم من دخول النار.

هذا معنى حرف امتناع لوجود, فالذي امتنع هو دخول النار، لوجود الهداية والرحمة من الله! أما أهل النار فيأخذون مقاعدهم من النار, وعندما يرون أماكنهم في الجنة التي لم يصلوا إليها يقولون كما قال الله عنهم: {لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [الزمر:٥٧] فامتنع أن يكون تقياً من أهل الجنة لامتناع الهداية من الله تبارك وتعالى, لهذا يعرف العاقل أنه لا شيء يطلب أعظم من رحمة الله جل وعلا, وما الهداية إلا شيء من رحمة الله تبارك وتعالى.