للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاشتراك اللفظي لا يعني تشبيه الخالق بالمخلوق]

قال رحمه الله تعالى: [فعلم بهذه الأدلة اتفاقهما من وجه، واختلافهما من وجه، فمن نفى ما اتفقا فيه كان معطلاً قائلاً للباطل، ومن جعلهما متماثلين كان مشبهاً قائلاً للباطل، والله أعلم].

يقصد بهذا ما يسمى بالاشتراك اللفظي، والاشتراك اللفظي هو الذي خفي أمره على كثير ممن خالفوا أهل السنة والجماعة، فخالفوا هدي الأئمة في إثبات صفات الله تعالى وإثبات أمور الغيب، والاشتراك اللفظي هو أن هناك ألفاظاً معلقة في الأذهان لا يمكن أن نفهم معانيها على الحقيقة إلا إذا أطلقت على الموصوف أو المسمى، فهذه الألفاظ المشتركة تطلق على الله تعالى على وجه الكمال، وتطلق على المخلوقات على وجه النقص، وهذا معلوم بالضرورة، فمثلاً: اسم (الحي) لفظ مشترك، فكلمة (حي) قبل أن نصف بها أحداً كلمة معلقة في الأذهان وفي الخيالات، لكن إذا قلنا عن الله تعالى: إنه الحي القيوم؛ فهم السامع بفطرته وعقله السليم أن لله الحياة الكاملة، فالله سبحانه وتعالى له البقاء، وإذا أطلقت كلمة (حي) على مخلوق فهم منها الحياة المقيدة التي يعتريها النقص والفناء، وكذلك كلمة (عالم) مثلاً، فهي كلمة مجردة تبقى في الخيال وفي الذهن عالقة، فإذا قيل للإنسان: عالم عرف أنها كلمة تطلق على هذا الإنسان بحسب معلوماته، أي: ليس عالماً بما كان وما يكون وما وراء الأرض، إنما هو عالم بمعلوماته التي في ذهنه، وإذا قيل في حق الله سبحانه وتعالى: عالم، فالله هو العالم على وجه الكمال، وهذا الأمر يجري على كل الصفات والأسماء، والذين نفوا الأسماء أو أولوها بدعوى أنها تشبه أسماء المخلوقات وصفاتهم يقال لهم: كما أنكم تقولون: إن الله موجود والمخلوق موجود، وتقولون بأن وجود الله يليق بجلاله، ووجود المخلوق يليق بنقصه؛ فكذلك الصفات الأخرى -اليد والعين والقدرة والضحك والرضا- تطلق على الله تعالى على ما يليق بجلاله على وجه الكمال، وتطلق على المخلوق على ما يليق بنقصه، فاتفاق الألفاظ من وجه واختلافها من وجه هو الذي التبس على كثير ممن حادوا عن الحق، سواء المشبهة الذين ما فهموا من صفات الله إلا أن تكون مثل صفات المخلوقين، وهو فهم خاطئ أدى بهم إلى الضلالة والكفر، وكذلك المؤولة الذين فهموا من هذه الألفاظ مثلما فهم المشبهة، لكنهم فروا من التشبيه فعطلوا وأولوا، فوقعوا في الضلالة وحادوا عن الحق حيث أردوا الإحسان، فلذلك قال بعض أهل العلم: إن هذه الفرق أرادت الإحسان أولاً لكنها لم تهتد إلى الحق في النهاية، فالمشبهة أردوا الإحسان بالإثبات، لكنهم ما اهتدوا بهدي السنة في معنى الإثبات، فوقعوا في التشبيه، والمؤولة والمعطلة أردوا الإحسان بالنفي، بأنهم أرادوا تنزيه الله، لكنهم زادوا على الحد فعطلوا -أي: أنكروا أسماء الله وصفاته، أو صفات الله أو بعض صفات الله-فحادوا عن الحق حينما أرادوا الإحسان، وسبب ذلك تقصيرهم في العلم وعدم اهتدائهم بهدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسلف الأمة، وإلا فلو اهتدوا لما ضلوا.

قال رحمه الله تعالى: [وذلك لأنهما وإن اتفقا في مسمى ما اتفقا فيه؛ فالله تعالى مختص بوجوده وعلمه وقدرته وسائر صفاته، والعبد لا يشركه في شيء من ذلك، والعبد أيضاً مختص بوجوده وعلمه وقدرته، والله تعالى منزه عن مشاركة العبد في خصائصه.

وإذا اتفقا في مسمى الوجود والعلم والقدرة].

أي: اتفق الخالق والمخلوق في المسمى المجرد، وهو الوجود والعلم والقدرة.

قال رحمه الله تعالى: [فهذا المشترك مطلق كلي يوجد في الأذهان لا في الأعيان، والموجود في الأعيان مختص لا اشتراك فيه].

يعني أن هذه الأسماء -الوجود والعلم والقدرة- كلمات مجردة لا تعدو أن تكون في الذهن ومفهومها غير مرتبط بعين معينة، أو بشخص معين، أو بموصوف معين، فإذا أطلقت على أحد أطلقت على من أطلقت عليه بحسب ما يليق به، فالوجود والعلم والقدرة إذا أطلقت على المخلوق عرف أنه وجود وعلم وقدرة محدودة، وإذا أطلقت على الخالق سبحانه عرفنا أنه علم وقدرة ووجود كامل يليق بجلال الله سبحانه وتعالى.

قال رحمه الله تعالى: [وهذا موضع اضطرب فيه كثير من النظار؛ حيث توهموا أن الاتفاق في مسمى هذه الأشياء يوجب أن يكون الوجود الذي للرب كالوجود الذي للعبد].