للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأدلة على أن القرآن كلام الله]

أولاً: الاستدلال الصريح، قال الله تعالى: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} [الإسراء:١٠٦]، وقال جل وعلا: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر:١] أي: القرآن، وقال جل وعلا: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:٦]، وقال جل وعلا: {يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ} [البقرة:٧٥] وقال: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ} [الفتح:١٥].

ووجه الشاهد من الآيات إضافة الكلام إلى الله جل وعلا والمضاف إلى الله صفة من صفات الله، حيث إن المضاف إلى الله نوعان: أعيان قائمة بالله بذاتها، ومعانٍ ليست أعياناً، وإضافة الأعيان القائمة بذاتها إلى الله إضافة تشريف، مثل عيسى، عينه قائمة بذاته، وإذا أضيفت إلى الله جل وعلا أضيفت للتشريف، فتقول: عيسى روح الله، والكعبة بيت الله وإضافته لله إضافة تشريف، وناقة الله إضافة تشريف، أما المعاني التي ليست أعياناً قائمة بذاتها فإضافتها إلى الله إضافة صفة إلى الموصوف، تقول: كلام الله، يعني: صفة من صفات الله، أي: أن الله تكلم، (رحمة الله، عزة الله، قدرة الله، كرم الله)، هذا معنى من المعاني، فالمعنى الذي يضاف إلى الله إضافته إلى الله إضافة صفة إلى الموصوف، وهذا أول دليل بالتصريح.

ثانياً: الاستنباط: الآية الأولى: قال الله تعالى: {قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} [الزمر:٢٨]، قال ابن عباس: غير مخلوق، بنص تفسير ابن عباس؛ لأن تفسير القرآن إما بالقرآن أو بالسنة أو بقول الصحابي، وكفاكم ترجمان القرآن.

الآية الثانية: قال الله تعالى: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف:٥٤]، عطف الخلق على الأمر، والأصل في العطف: المغايرة، والخلق غير الأمر، بل الأمر منه الخلق؛ لأن الله جل وعلا إذا أراد شيئاً قال له: ((كُنْ فَيَكُونُ) قال غير واحد من السلف: أما الأمر فهو كلامه، وأما الخلق فخلقه جل وعلا ناتج عن الأمر، مثل مفعولاته.

الآية الثالثة: قال الله تعالى {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} [لقمان:٢٧]، قالوا: هذا دليل على أن القرآن صفة من صفات الله، والشاهد: قوله تعالى: ((مَا نَفِدَتْ)) فكل المخلوقات ستفنى، إلا صفات الله جل وعلا، فصفات الله لا تفنى، ولا تزول الصفة ببقاء الله جل وعلا.

الآية الأخيرة في الاستنباط: قال الله تعالى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر:١٦] لو كان الكلام مخلوقاً، وكل المخلوقات قد ماتت وانتهت، فالقائل: ((لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ)) حيُّ لا يموت فلا يكون الكلام إلا صفة من صفات الله جل وعلا.

ولذلك بُهت المعتزلي أبو الهذيل العلاف لمّا جاءه رجل وسأله: ما تقول في القرآن؟ قال: مخلوق، قال: هو مخلوق؟ قال: نعم، قال: إذاً: يموت أم يخلد؟ قال: يموت، قال: وكيف موته؟ قال: يموت بموت من يتلوه، يعني: الذي يتلوه إذا مات مات القرآن، قال: نعم، أرأيت كل الدنيا قد زالت ومات كل من يتلو هذا القرآن ولم يبق إلا الواحد القهار فقال: ((لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ))؟ فبهت المعتزلي، وما استطاع أن يتكلم، إذا قلتم: أنه سيموت بموت تاليه، فكل الذين يتلون القرآن ماتوا، فمن يردد: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر:١٦]؟ فهذه الآيات تثبت أن القرآن كلام الله جل وعلا، والله تكلم بهذا القرآن.

وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أول ما خلق الله القلم، قال له: اكتب، قال: ما أكتب؟ قال: اكتب كل ما هو كائن إلى يوم القيامة)، فكتب كل ما هو كائن إلى يوم القيامة، ومنه القرآن، فالقرآن مكتوب في اللوح المحفوظ قبل أن ينزل على محمد صلى الله عليه وسلم.

وذكر المصنف هنا أربعة أحاديث أسانيدها ضعيفة، قال: ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم مما يدل على أن القرآن من صفات الله القديمة، وأما القديم فهو خبر عن الله جل وعلا، ونحن فرقنا بين الخبر والصفة، قلنا: الصفة من صفات الله جل وعلا كلها كمال، ويدعى بها، وتستطيع أن تتوسل إلى الله بصفة من صفات الله، فتقول: اللهم إني أسألك برحمتك أن ترحمني، لكن الخبر عن الله لا يسأل به، فلا تقول: يا شيء أعطني، يا قديم ارزقني، فالقديم خبر عن الله جل وعلا وليس صفة للرب.

فالمعتزلة هم الذين وصفوا الله بالقدم، وعندنا ما يغنينا، فهو الأول فليس قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء، ثم أورد حديث آدم وموسى في الاحتجاج، بعدما احتج موسى على آدم قال: (أنت الذي أخرجتنا من الجنة! فقال: أنت الذي خط الله لك التوراة بيده، ثم قال: أنا أقدم أم الذكر؟ قال: الذكر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فحاجَّ آدم موسى)، قال له: أنا الذي خلقت أولاً أم كلام الله جل وعلا هو الأول؟ قال: كلام الله جل وعلا هو الأول، قال: إذاً: لا تحاسبني على شيء قد تكلم الله به قبل أن يخلقني.

فالشاهد من ذلك: أن الله تكلم من القدم بما يحدث في آدم عليه السلام.

وذكر المصنف حديثاً ضعيفاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قرأ الله جل وعلا سورة يس طه قبل أن يخلق آدم بألفي عام)، وهذا الحديث أسانيده كلها ضعيفة، لكن نستند به على أن الله جل وعلا قد تكلم في القدم.