للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صلاح القلوب سبب للاصطفاء والتكريم]

إن كان مقياس الناس عند أراذل الناس وسفهاء الناس وأغرار الناس: المكانات والوجاهات والأموال، فإن محل الكرامة عند الله هي القلوب، فالله جل وعلا لا يكرم إلا صاحب القلب النقي التقي الطاهر، الله جل وعلا لما نظر إلى الناس عربهم وعجمهم مقتهم واختار واصطفى منهم العرب؛ لأنهم أطهر قلوباً من العجم، ثم بعد ذلك اصطفى منهم كنانة، ثم اصطفى من كنانة بني هاشم؛ لأنهم أطهر قلوباً، ثم نظر في قلوب بني هاشم فلم يجد أطهر من قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعله محل كرامته ورسالته، فقد جعله خاتم النبيين، بل أفضل الرسل وأكرم الرسل عنده جل وعلا؛ لطهارة قلبه ونقائه.

وأيضاً لما أراد الله جل وعلا أن يصطفي صحابة رسول الله الصفوة، التي تنصر هذا الدين وتحمله على أعناقها، ليصل إلينا غضاً طرياً كما نزل، نظر الله إلى القلوب فلم يجد أطهر من قلوب الصحابة رضوان الله عليهم بعد الأنبياء فاختارهم لهذا الأمر.

وقد ورد في سنن الدارمي عن ابن مسعود بسند صحيح قال: (من أراد أن يتأسى فليتأس بمن مات من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنهم أطهر قلوباً) أي: هذه أهم العلل التي جعلت الله جل وعلا يختارهم لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم أطهر قلوباً، وأخلص قلوباً، وأنقى قلوباً، وأصدق قلوباً مع الله جل وعلا؛ ولأنهم أحسن أخلاقاً، وأعمق علماً.

قال ابن عباس: (والله يؤتي المرء الفهم بإخلاصه وصدق نيته) يعني: بما في قلبه من طهارة ونقاء، قال الله عز وجل: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا} [الإسراء:٢٥]، وقال تعالى: {إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ} [الأنفال:٧٠].

وأبو بكر أفضل البشرية على الإطلاق سوى الأنبياء، وأفضل الصحابة، أفضل ملازم للنبي صلى الله عليه وسلم هو أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه، كفى فخراً بـ أبي بكر أن يذكره الله جل وعلا بصيغة الجمع في الكتاب العزيز، قال تعالى: {وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} [النور:٢٢] قوله: (أولوا الفضل) المقصود به أبو بكر، فالله جل وعلا يخاطب أبا بكر بصيغة التعظيم، ما الذي جعل لـ أبي بكر هذه المكانة! ما أرفعها من مكانة! ما أعظمها من مكانة، ما السبل التي اتخذها أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه ليرتقي إلى هذه المنزلة؟ والله لو وضع إيمان الأمة في كفة ووضع إيمان أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه في كفة لرجحت كفة أبي بكر) هل لأنه كان وسيماً قسيماً ذا مال ومن أغنى الصحابة وله السلطان والوجاهة عند الناس؟ لا والله ما كان كذلك، وإنما العلة أنه كان أطهر قلباً وأعمق علماً وأحسن خلقاً، والذي يدلك على ذلك الحديث الموقوف عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه قال: (والله ما سبق أبو بكر هذه الأمة بكثير صلاة ولا صيام، ولكن بشيء وقر في قلبه).

إذاً: محل الكرامة القلوب، ومحل النجاة يوم القيامة القلوب، قال الله تعالى: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:٨٨ - ٨٩] لم يقل: إلا من أتى الله بمال وفير أو بذرية عظيمة أو بجمال أو بسلطان أو بجاه، وإنما قال: {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}.

والقلوب هي الميزان وهي المعيار عند الله جل وعلا، نسأل الله جل وعلا أن يطهر قلوبنا، وأن يصفي قلوبنا ويجعلها صادقة مخلصة معه؛ لتتنزل الرحمات، وترتفع البلايا التي على هذه الأمة.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.