للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى المعية]

أما الرد بالتفصيل فنقول: إن المعية معيتان، وموجب المعية في اللغة على قسمين: القسم الأول: معية تستلزم المخالطة والمماسة، كأن تقول: الشاي مع الحليب، فهذه تستلزم الحلول والمخالطة.

أو تقول: الملح مع الماء، فهذه أيضاً تستلزم المخالطة.

القسم الثاني: لا تستلزم المخالطة، بل هي بمعنى: مطلق المصاحبة.

كما تقول العرب: سرت والقمر، يعني: سرت مع القمر، ولا قائل بأن القمر نزل من عليائه فوضع يده في يد الرجل الذي كان معه فتسامرا في الليل، وإنما سار معه القمر وهو في عليائه، فهذه معية بمعنى مطلق المصاحبة، أو تقول: سرت والنيل، فالواو هنا واو المعية، يعني: سرت مع النيل، ولم يخرج النيل من مجراه يسير مع الرجل.

وإنما هذه المعية بمعنى: مطلق المصاحبة.

إذاً: معية الله جل وعلا في هذه الآية: ((وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ)) تحتمل أن تكون المعية التي تستلزم المخالطة والمماسة؛ لأن لها مسوغاً في اللغة أو أنها تكون بمعنى مطلق المصاحبة، دون استلزام المخالطة، والذي يرجح لنا أحد الاحتمالين هي: القرائن المثبتة، والقرائن هنا: أولاً: القاعدة المعروفة التي تكلمنا عنها آنفاً، وهي: أن القرآن لا اختلاف فيه.

وقد أثبت القرآن بأن الله في عليائه، فقال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥].

وأثبت أنه في السماء، فقال: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:١٦] أي: من على السماء.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء؟!).

وقال صلى الله عليه وسلم للجارية: (أين الله؟ قالت: في السماء).

فهذه الأدلة أثبتت فوقية الله جل وعلا، وعلوه على عرشه، ثبوتاً راسخاً ودلالة قطعية متواترة.

وقد تواترت الأدلة من القرآن والحديث وأجمع الصحابة على علو الله، وأن الله فوق العرش.

إذاً: هذه المعية حق؛ لأن الله أثبتها كما أثبت علوه على عرشه، وأثبت أيضاً معيته لعباده، فقال: ((وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ)).

إذاً: فقد أثبت القرآن أن الله فوق العرش وليس في الأرض.

وأنه في السماء جل وعلا، وهم يقولون: في كل مكان، في السماء وفي الأرض، وفي البحر وفي الجبال، وفي كل مكان.

فنقول لهم: أخطأتم، فقد أثبت الله في كتابه العزيز أنه في السماء، وتردد الاحتمال بين معية المخالطة ومعية مطلق المصاحبة لا أثر له؛ لأنه ثبت بالأدلة أن الله فوق السماء.

إذاً: المعية هنا معية مطلق المصاحبة.