للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تأويل المبتدعة لصفة اليد وشبههم]

أهل البدعة والضلالة والتأويل قالوا: إن وصفنا الله باليد فقد شبهنا الخالق بالمخلوق، بل اليد عندنا بمعنى القدرة، ومن الأدلة على ذلك: أن معنى ضرب اليد بالحديد أي: بقوة أو بقدرة، وهذا معروف في لغة العرب، والله جل وعلا لما وصف عباده بقوله: {أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ} [ص:٤٥] أي: أولي القوة.

وأيضاً لما قال: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات:٤٧] أي: بقوة، فكل ذلك يثبت أن معنى اليد القدرة والقوة.

وجاءت طائفة أخرى وهم المحرفة الأشاعرة فقالوا: إن اليد بمعنى النعمة قالوا: والدليل على ذلك من السنة، وأيضاً لنا مسوغ من لغة العرب.

أما الدليل فقالوا: إذا أراد أن يمن أحد على أحد فإنه يقول له: كم أيد عندك لي؟ وذلك من لغة العرب كما جاء في قصة صلح الحديبية أن أبا بكر رضي الله عنه بجانب النبي صلى الله عليه وسلم وعروة يقول له: ما أرى معك إلا أوباشاً من الناس يفرون عنك، فغضب أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه غضباً شديداً وقال له كلمة شديدة قال: امصص بظر اللات، ويعتذر لـ أبي بكر رضي الله عنه عن ذلك بقول الله تعالى: {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} [النساء:١٤٨]، ولذلك أقره النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عروة: من هذا؟ قالوا: أبو بكر، قال: لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك يعني: لكلت لك الصاع بالصاعين، فوجه الشاهد قوله: يد لك عندي، يعني: نعمة أكرمتني بها، ولم أجزك عليها، وقبل أن نرد عليكم نفصل فرقكم إلى أكثر من طائفة.

الطائفة الأولى: طائفة الغلاة الجهمية الذين ينفون الاسم والصفة، ويثبتون الذات، فيقولون: لا سميع ولا سمع، لا بصير ولا بصر، فهؤلاء غلاة الجهمية، لكن أثبتوا ذاتاً لله جل وعلا، ولم يثبتوا الصفات، فيجاب عليهم بما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية: القول في الصفات فرعٌ عن القول في الذات، فإن أنتم أثبتم ذاتاً فيلزمكم أن تثبتوا الصفات؛ لأن القول في الصفات كالقول في الذات يحذو حذوه.

الطائفة الثانية: أهل التأويل من المعتزلة والأشاعرة، فنقول لهم: التأويل تأويلان: تأويل يكفر، وتأويل يفسق، أما التأويل الذي يكفر: فهو التأويل الذي ليس له مسوغ في اللغة، كمثل أن يقول الله جل وعلا: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر:١٤]، فيقولون: العين معناها الزرع، فهل العين في لغة العرب تكون زرعاً أو نباتاً؟ فهذا لا مسوغ له في اللغة فيكون كفراً؛ لأن مآله إلى الإنكار والجحود، فيجحدون بهذه الصفة، ويؤولونها بلا مسوغ من اللغة، هذا التأويل الأول.

أما التأويل الثاني: فهو تأويل المعتزلة والأشاعرة الذي له مسوغ من اللغة، وهذا محله التفسيق لا التكفير، فمن تأول الصفة بمسوغ في اللغة ولم يقل به النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة الكرام، فهذا يصل به إلى الفسق؛ كما تأول الأشاعرة العين بالرؤية، أي: بلازم الصفة، أو كما تأولوا النزول بنزول الرحمة أو نزول الأمر، فهذا له مسوغ في اللغة فيصل بصاحبه إلى الفسق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل ذلك، والصحابة الكرام لم يقولوا بذلك.

فالقول فسق، ولكن القائل ليس بفاسق ولا كافر حتى تقام عليه الحجة، وتزال عنه الشبهة.