للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرد على من أول صفة اليد]

الرد على هذه الشبهة التي قالوا فيها: إن اليد بمعنى القدرة وبمعنى النعمة كما يلي: أولاً: نقول لهم: خالفتم ظاهر القرآن؛ لأن الله جل وعلا قال: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح:١٠].

وقال جل وعلا: ((لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ)) , فعداها بالباء، وأضافها لنفسه دلالة بأنه باشر الخلق باليد المعلومة لدينا معنى.

وأيضاً: إن أولتموها بمعنى النعمة فإن الله جل وعلا يقول: ((لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) فيكون المعنى: بنعمتي على قولكم! وهذه لا قرينة عليها، فخالفتم ظاهر القرآن والسنة.

ثانياً: أأنتم أعلم أم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وهل أنتم أعلم أم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أفلا يسعكم ما وسعهم؟ فرسول الله لما قرأ: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح:١٠] ما قال: قدرة الله فوق قدرته، وما قال: نعمة الله فوق نعمتهم، فما قال ذلك صلى الله عليه وسلم وهو أعلم الخلق بالله، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم سكت عن هذا للعلم بالمعنى عندنا أفلا يسعنا ما وسع النبي صلى الله عليه وسلم؟! ثالثاً: خالفتم إجماع السلف فقد أجمع السلف أن لله يداً حقيقية تليق بجلاله وكماله.

رابعاً: نقول تنزلاً مع الخصم: اليد بمعنى القدرة، فننظر إلى المعنى، قال الله تعالى: ((يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ)) فهذا الدليل لا يسلم من المعارضة، وكل من يستدل على قاعدة أو على حكم لا بد له من دليل من الكتاب أو السنة أو الإجماع، ولا بد لهذا الدليل أن يسلم من المعارضة، وهذا التأويل لا يسلم من المعارضة، فقولهم: المعنى: لما خلقت بقدرتي، فيها أكثر من اعتراض: الاعتراض الأول: تجزئة الصفة، فقد جعلوا القدرة قدرتين، وتجزئة الصفة لا بد لها من دليل؛ لأن الصفة لا تتجزأ؛ فالقدرة عامة ولا تتجزأ إلا إذا دل الدليل على تجزئة الصفة، فلا يجوز أن نقول: لما خلقت بقدرتي؛ لأنها تجزئة لصفة الله جل وعلا، ولا يجوز على الله جل وعلا أن نجزئ صفته، هذا أول اعتراض، ولا يمكن أن يسلم منه هذا التأويل.

الاعتراض الثاني وهو أوجه وأقوى: قال الله تعالى منكراً على إبليس ممتدحاً آدم: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:٧٥] أي: للذي ميزته بهذه الميزة، وشرفته بهذا التشريف، بأن باشرت خلقه بيدي، فلو كان المعنى بقدرتي لتنطع إبليس وقال: يا رب! كيف ميزت آدم علي وقد خلقته بقدرتك وأنا خلقتني بقدرتك؟ لأن المحل هنا محل مدح وتمييز لآدم على إبليس بمباشرة الخلق بيده، ولو كان بالقدرة فإن إبليس خلق بالقدرة أيضاً.

فلا بد أن يقول إبليس: يا رب أنا خلقت بالقدرة وهو خلق بالقدرة فلماذا تميزه علي؟! فكان إبليس لعنة الله عليه أفقه من هؤلاء البله، فلما علم أن الله جل وعلا يفضل آدم عليه بمباشرة الخلق باليد تحول إلى اعتراض آخر وقال: {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف:١٢]، فتحول إلى القياس الفاسد.

فإبليس كان أفقه منهم، فعلم أن الله باشر خلق آدم بيده الشريفة المقدسة سبحانه وتعالى، فهو أفقه من الأشاعرة، وهذا الاعتراض لا يمكن أن يسلم منه هذا التأويل، ولا رد لهم عليه، فيسقط هذا التأويل؛ لأنه ليس له قرينة تصرف الآية عن ظاهرها إلى المؤول.

أما التأويل الثاني لليد الذي هو: بمعنى النعمة، ويقولون له مسوغ من اللغة، فنقول: أولاً: خالفتم ظاهر القرآن: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح:١٠]، فاليد ليست النعمة، بل الظاهر أنها: اليد الحقيقية المعلومة، فاليد معلومة، وكيفيتها مجهولة، والإيمان بها واجب، والسؤال عنها بدعة.

ثانياً: خالفتم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنتم لستم بأعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلو كانت اليد بمعنى النعمة لبينها النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الله جل وعلا يقول: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ} [المائدة:٦٧]، فمن تمام التبليغ التبيين، وقال تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل:٤٤] والقاعدة تقول: تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، وهذه صفة من صفات الله جل وعلا، فكيف يتأخر النبي صلى الله عليه وسلم عن تبيين ذلك؟! ثالثاً: خالفتم الإجماع؛ لأن السلف أجمعوا بأن اليد حقيقية يوصف بها الله جل وعلا.

رابعاً: تنزلاً مع الخصم نقول: إذا أولنا الآية كما أولتم فلا نسلم من المعارضة؛ لأنه يكون معنى قوله تعالى: ((يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ)): يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بنعمتي، فحصرنا نعم الله عز وجل بنعمتين فقط، مع أن الله جل وعلا يقول: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [إبراهيم:٣٤].

ويصرح في آية أخرى قائلاً: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ} [النحل:٥٣]، و (من): مبهمة تدل على العموم، يعني: ما بكم من أي نعمة فمن الله، فكيف حصرتم نعم الله جل وعلا في نعمتين؟! فلم تسلموا من هذا المعارض.

وبهذه الطريقة تبهت شبهتهم، ويسلم لنا الدليل بأن اليد يد حقيقية، وثابتة لله جل وعلا بالكتاب والسنة وإجماع السلف.