للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[هل الإنسان مسير أم مخير؟]

الناس في الإجابة على هذا السؤال فرق ثلاث: ففرقة غلت وفرقة جفت وفرقه وتوسطت، فكان في الأولى إفراط، وعند الثانية تفريط، أما الثالثة فوسط بين الإفراط والتفريط.

أما الذين غلو فهم القدرية إذ قالوا: الإنسان مخير في كل شيء، حتى أفعال العباد، فالعباد -عندهم- يخلقون أفعال أنفسهم، وجل وعلا -بزعمهم- لا يعلم أفعال العباد حتى يعملها العامل، ومن القدرية من يثبت علم الله لعمل العبد وينفي عن الله خلق أفعال العباد، فلم ينفقوا عن الله صفة العلم.

أما غلاة القدرية فقد نفوا العلم فقالوا: الله لا يعلم بعمل العبد حتى يعمله، فالإنسان عندهم مخير على الإطلاق.

وبعكس قول القدرية قالت الجبرية إذ الإنسان عندهم مسير على الإطلاق، فلا خيار له ولا اختيار ولا مشيئة ولا إرادة كما قال بعضهم: ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء ولذلك كان متنطعهم قولهم: الشيطان أكبر عابد لله جل وعلا -لأنه مسير- فإن الله أجبره على ما فعل فرضي بما فعل وهو خاضع لله جل وعلا.

أما أهل السنة والجماعة فهم وسط بين الفريقين إذ قالوا: الإنسان مسير مخير، فالإنسان مخير في فعله، فهو مخير في اختياره لزوجته، واختياره لعمله، واختياره لدينه، ألا ترى أن من شاء أن يدخل في النصرانية يدخل، ومن أراد الإسلام دخل في الإسلام، ومن أراد الكفر فعل الكفر، ومن أراد الزنا فعل الزنا ولا مجبر لهم، له، فالإنسان مخير في إرادته، ومخير في طلبه، وكفه، في منعه، وعطائه، وهو -أي الإنسان- مسير في موته، في طوله وقصره، في سواده وبياضه فلم يتحكم امرئ بلونه فقال: أريد أن أكون أبيض البشرة، بل ما خلقك الله عليه فأنت مسير به، كما أنه في اختيار في هذه ومسير من ناحية أخرى وهو أن مشيئته تابعة لمشيئة الله جل وعلا، قال الله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان:٣٠] جل وعلا.