للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأدلة على إثبات مشيئة العبد]

إذا كان الله خلق أفعال العباد، وهو الذي خلق فيهم الطاعة، وخلق فيهم المعصية، فأين العبد، وأين فعل العبد؟ فهل للعبد أن يقول: يا رب أنا عصيت، وأنت الذي خلقت في المعصية، أو يقول: يا رب أنت قدرت عليّ المعصية والسرقة، وخلقت في وازع المعصية؟ فهل للإنسان أن يفعل ذلك ويحتج بالقدر، أو هل ينسب للإنسان فعله حقيقة فيثاب عليه أو يعاقب، أم ينسب إليه مجازاً؟

الجواب

ليس للإنسان أن يفعل المعصية، ويحتج بالقدر، ففعله ينسب إليه حقيقة، فيثاب على الطاعة، ويعاقب على المعصية.

والأدلة على هذا نقلية وعقلية، أما النقلية فالله جل وعلا بين أن للعبد مشيئة، وإرادة، واختياراً، وعملاً، قال الله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة:٢٨٦]، فجعل الكسب لهم، وأيضاً قال الله تعالى: {تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف:٤٣]، فنسب العمل لهم، وقال جل علا: {أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ} [البقرة:٢٧٧]، فهم الذين فعلوا ذلك، وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة، وأيضاً قال جل وعلا: {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ} [المدثر:٥٥]، فجعل لهم مشيئة وإرادة، وقال الله تعالى: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ} [آل عمران:١٥٢]، فأثبت لهم إرادة، وقال جل وعلا: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} [الإسراء:١٨]، وقال جل وعلا أيضاً في المشيئة التي هي مقاربة للإرادة: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف:٢٩]، وقال تعالى: {أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فصلت:١٧] باختيارهم.

فهذه أدلة متوافرة متواترة في كتاب الله على أن للعبد عملاً، وكسباً، وإرادة، واختياراً، ومشيئة.

أما من السنة فقد أثبت النبي صلى الله عليه وسلم للعبد إرادة واختياراً وفعلاً، فقال الله صلى الله عليه وسلم (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج)، فأضاف التزوج للعبد، فهذا فعل من أفعال العبد، وقال أيضاً رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصلاة خير موضوع فليكثر من ذلك عبد أو يستقل)، فجعل الإكثار من فعل الطاعات أو الإقلال منها من فعل العبد، وأيضاً قال لمولاه الذي قال له: أسألك مرافقتك في الجنة: (أعني على نفسك بكثرة السجود) فكل هذه أدلة من السنة على أن العبد فاعل مريد مختار له مشيئة وإرادة خاصة به.

أما الدليل النظري العقلي فإن الله قد كلف عباده بتكاليف، وجعل الثواب لمن فعل هذه التكاليف، والعقاب لمن لم يفعلها، فبالعقل نقول: الثواب والعقاب مقابل عمل، وإرادة، واختيار، وإلا فلو قلنا: إن الله جل وعلا يثيب أو يعاقب على ما لا يفعل العبد فهذا ظلم، والله جل وعلا منزه عن الظلم {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف:٤٩]، (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً) إذا: الله جل وعلا جعل للعبد اختيار الفعل، وجعل له في النهاية ثواباً وعقاباً على فعله، ولو كان الثواب أو العقاب على غير الفعل كان ذلك ظلماً، والله منزه عن كل نقص أو ظلم.