للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من المعجزات الخاصة برسول الله اطلاعه على عالم الغيب]

الأولى: مما خصه الله جل وعلا به: أن ينبئ بعلم الغيب، فكان النبي صلى الله عليه وسلم ينبئ بما يحدث في زمنه أو بعده بقليل حتى تكون معجزة، فأنبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بهزيمة كسرى وعلو الروم، فقال تعالى: {الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} [الروم:١ - ٣]، ولذلك راهن أبو بكر على أن الروم ستغلب، وكتب الرهان مع قريش، والعلماء استنبطوا فقهياً أنه في هذه الحالات يجوز الرهان، أي: يجوز أن تراهن على أمر أنت متأكد تأكداً تاماً أنك ستفوز فيه، فـ أبو بكر راهن على غلبة الروم؛ فحدث وغلبت الروم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لما تعقبه سراقة، قال: (أين أنت يا سراقة عندما ترتدي سواري كسرى؟)، ففتح الله المدائن، وخربت فارس، وسواري كسرى أخذهما سراقة، وبينها عمر رضي الله عنه وأرضاه فقال: مصداقاً لنبوءة النبي صلى الله عليه وسلم.

ثم أنبأ بما يحدث بعد ذلك كما هو ماثل أمامنا في هذه العصور، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (بين يدي الساعة سنوات خداعة يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن الخائن، ويخون الأمين، وينطق الرويبضة، قالوا: يا رسول الله! وما الرويبضة؟ قال الفاسق أو قال: الفويسق يتكلم في أمر العامة) وهذا واقع مشاهد، فكثير ممن تصور بصورة العلم وتكلم عنه وليس أهلاً له، وكذا كثير ممن تكلم في أمور العامة ليس أهلاً لها، فالرويبضة والفواسق كثروا في عصرنا، والمستمعون لهم أكثر، كهمج الرعاع، كما قسمهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث قال: الناس على ثلاث: عالم رباني، ومتعلم على سبيل النجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق.

والناعق: الرويبضة، والذين يتبعونه هم العامة، والعوام هوام وهم الذين لا يميزون بين الحق وبين الباطل.

كذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، ويفشو الجهل، وينتشر الزنا).

والآن نحن في هذه العصور قد قبض العلم؛ لأن الله جل وعلا لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور العلماء، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء.

وجبال أهل العلم ماتوا ورحلوا عنا، حتى أن شمس العلم كأنها غابت عنا، والساحة الآن أصبحت خالية خاوية من أهل العلم، فكل من ترون أو كل من تستمعون له أو كل من تصدر ما هو إلا داع، والدعاة الفارق بينهم وبين العلماء كما هو الفارق بين السماء والأرض، فالعالم يسيّر أمة، والداعي يؤثر في العامة، فالفارق بعيد، فالعالم هو الذي يرسم لأهل الدين والإسلام كيف يسيرون على نسق يرضي الله جل وعلا؛ فينتصرون بذلك، والداعي ما هو إلا جامع للناس حتى يستمعوا إلى العالم.

كذلك: أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيختبئ كل يهودي خلف الشجر والحجر، فينطق الشجر والحجر يقول: يا مسلم! يا عبد الله! هذا يهودي خلفي تعال فاقتله).

والراجح في ذلك والله أعلم: أن هذه المقتلة لن تكون إلا مع الدجال، ولن تكون قبله، فهذا الراجح والله أعلم وذلك عندما يفر الدجال من عيسى وينزل عيسى عليه السلام فيقتله، ثم يقتل المسلمون بني إسرائيل هؤلاء، وهذه تكون على مشارف علامات الساعة الكبرى.

كذلك أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأشراط الساعة الكبرى بالمغيبات.