للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

وأول سمة من هذه السمات: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال الله تعالى: ((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ)) وتطبيقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وليس وراء ذلك حبة خردل من إيمان).

فخيرية الأمة مرتبطة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان هذا دأب الصالحين من هذه الأمة.

وكان دأب رسول الله وصحابته أنهم لا يرون منكراً فيسكتون عليه، ولا يرون معروفاً إلا ويأمرون به، حتى في المكروهات والمستحبات، فعن ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه: أنه كان في السوق فشرى زيتاً وقبل أن ينقله من مكانه جاءه تاجر يشتري منه هذا الزيت بربح أكبر، فضرب رضي الله عنه وأرضاه على كتفيه منكراً عليه، وقال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: إذا ابتاع أحدكم فلا يبعه حتى يستوفيه) أي: حتى يحوزه.

حتى في الاجتهاد، أي: لو اجتهد عالم من علماء الصحابة فأخطأ ما كانوا يصبرون عليه، فهذا ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه كان يقول بحل نكاح المتعة، وما الفرق بين نكاح المتعة والنكاح المؤقت؟ ونكاح المتعة: هو أن يتمتع الرجل بالمرأة مدة محدودة، مشروطة بينهما، ويفسخ العقد بعد انتهاء المدة، وهذا هو القيد، فإذا كانت مدة المتعة أسبوع فاليوم السابع يفسخ العقد، ويكون لها مهر يعطيها من استحل فرجها.

هذا هو نكاح المتعة، وقد كان حلالاً ثم حُرِم.

وقد حلل في خيبر وحرم فيها أيضاً، وذلك عندما بعث النبي صلى الله عليه وسلم علياً وقال: (حرم النبي صلى الله عليه وسلم لحوم الحمر الأهلية، وحرم نكاح المتعة، ثم أحل نكاح المتعة مرة ثانية، ثم حرم في الفتح) أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم حرمه إلى يوم القيامة بالنص، فحرم ثم حلل ثم حرم بعد ذلك إلى يوم القيامة، وإنما هذا لأن الصحابة رضوان الله عليهم كانت فيهم فتوة، فما كان يستطيع الواحد منهم أن يسافر شهراً، للقتال مثلاً وليس عنده نساء، فحلل لهم نكاح المتعة، ثم بعد ذلك حرم عليهم نهائياً.

أما النكاح المؤقت فهو نوعان: النوع الأول: هو أن يؤقت في العقد مشترطاً فيه، كأن يقول: سأتزوجك شهراً، فهذا النكاح المؤقت بالشهر هو نكاح متعة.

النوع الثاني: وهو أن لا يشترط في العقد أي وقت، لكن يضمر في نفسه الطلاق بعد شهر مثلاً فهذا اختلف فيه العلماء على قولين: القول الأول: قول الجمهور: إن العقد صحيح لا يشوبه شيء؛ لأن المهر مسمى والإيجاب والقبول والولي موجود، وإنما أضمر في نفسه الطلاق، فقال جمهور الفقهاء وهو ترجيح شيخ الإسلام ابن تيمية: أن هذا العقد عقد صحيح.

القول الثاني: وهو لبعض العلماء، قالوا: إن العقد لا يصح؛ لحديث: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) وهذا من حيث الأثر.

وهذا هو الراجح الصحيح، فالذي يسافر إلى أوروبا من أجل أن يتزوج بامرأة لمدة شهر ثم يطلقها، فهو آثم ولا يصح له هذا العقد على الراجح؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى).

أما من حيث النظر: فهل كل واحد منا يرضى أن أخته أو بنته تتزوج برجل على أن يتمتع بفرجها شهراً ثم يتركها ويذهب، فإن أضمر في نفسه شيء يقدح في العقد فإن العقد بذلك لا يصح، وهو بذلك يقع في الزنا لا محالة، بل إن بعضهم قال: لو يقع في الزنا وليس عنده مال ولا نكاح ولا يستطيع فله أن يبدل أخرى.

إذاً فالمقصود: أن ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه كان يبيح نكاح المتعة، فقال علي بن أبي طالب: ألا يتق الله ابن عباس! أما علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حرمها يوم كذا ويوم كذا.

وأيضاً: زيد بن ثابت رضي الله عنه كان يقول: إن الجد يشترك مع الإخوة في الميراث أي: أن الجد لا يحجب الإخوة، فهل الحجب هنا حجب حرمان أم حجب نقصان؟ لو قلنا على المذهب الراجح: فهو حجب حرمان، ولو قلنا على التشريك: فهو حجب نقصان.

والمهم في ذلك: أن زيد بن ثابت كان يقول: إن الجد مع الإخوة يشتركون في الميراث، وهذا قول الشافعي وقول جمهور العلماء، أما ابن عباس فكان يقول: ألا يتق الله زيد بن ثابت! أما يعلم أن الله جل وعلا سمى الجد أباً في كتاب الله، قال تعالى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج:٧٨]، {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ} [يوسف:٣٨] وإبراهيم كان جداً ليوسف عليه السلام.

فكان ينكر المنكر رضي الله عنه.

فالأمة خيريتها مرتبطة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالاستطاعة، فمن استطاع بيده ولم يأت بمضرة فلينكر بيده، ومن استطاع بلسانه فلينكر بلسانه، ومن لم يستطع فلينكر بقلبه.

كان بعض أهل الفتوى وهو من أهل العلم يقول: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مقتصر باليد على الحاكم، وباللسان على أهل العلم والعلماء، وبالقلب على الناس العامة.

مسألة: حدثت عندنا في مصر مشاحنة بين شاب وبنت فأخذها واغتصبها أمام الناس، فهل لو قلنا بقول هذا الرجل المقلد الذي لا يعلم شيئاً، أن العامي ينكر بالقلب ويمشي، والعالم إذا جاءه لا يضربه ويبعده، وإنما يقول له: هذا حرام اتق الله في نفسك، هذا كلام باطل، فالأمة خيريتها كلها ارتبطت بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه).

ومن سمات الخيرية: تحكيم شرع الله، ولا بد أن نقارن بين الرعيل الأول الذين كانوا ينكرون المنكر ويأمرون بالمعروف، وبين هذه الأمة التي ضاعت منها الخيرية وذلت، وأهينت؛ لأن المعروف انقلب منكراً، والمنكر انقلب معروفاً، ترى المجون من الممثلين والممثلات، وأهل الكرة، وهؤلاء هم الذين يتكلمون في الدين، أما أهل الدين فهم خلف الظهر ويوصفون بأنهم متشددون، وإرهابيون، ويأتي الرجل الجاهل يتكلم في الدين هذا يجوز وهذا لا يجوز.

ووجدت ممثلة ساقطة سفيهة كانت تقول: ما هو الفرق بين ابن لادن وشارون؟ هذه جاهلة سفيهة سوت بين رجل رفع راية لا إله إلا الله ولم يعط الدنية في دينه، برجل كافر خنزير من أحفاد القردة والخنازير، وتقول: ما الفرق بينهما؟ هذا إرهابي وهذا إرهابي.

وأشد منها سفاهة أخرى تتصل وتقول: هل نأخذ ديننا من الرجل الذي يقول: إن من يقول: إن الكرة الأرضية تدور فهو كافر؟ تقصد بذلك ابن باز الذي عقمت النساء أن تلد مثله، أعلم أهل الأرض على الإطلاق؛ لأنه جمع بين علم الحديث وعلم الفقه رحمة الله عليه، وجعله مع النبيين والصديقين والشهداء.

فهذه السفيهة الجاهلة التي تؤثر على الجاهلات مثلها قالت: هل نأخذ ديننا من رجل يقول: من قال: إن الأرض تدور يكفر؟ والشيخ ما قال هكذا، ولو نظرت إلى ما يقوله الشيخ لوجدت أن الرجل عنده من العلم ما يبين لك قوته العلمية، فالحاصل أن الشيخ يقول: الشمس تدور، وأهل الجغرافيا دائماً في المدارس يقولون: الشمس ثابتة، والأرض تدور، وهذا ظاهره تكذيب الله جل وعلا حيث يقول: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [يس:٣٨] فالشيخ ابن باز كان يقول: الشمس هي التي تتحرك والأرض ثابتة لا تتحرك، وإذا نظرت إلى قول الشيخ لوجدت أن الرجل بصير العلم، فعنده من الكتاب ما يساعده على قوله، قال الله تعالى: {وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} [النحل:١٥] فعلماء الجيولوجيا وعلماء الصخور والجبال قالوا: الجبل الأشم الشامخ الشاهق الذي طوله خمسة عشر متراً فوق الأرض، تحته ثلاثون متراً.

فالله جل وعلا جعل هذه الجبال الشواهق رواسي حتى تثبت الأرض فلا تضطرب بالناس، فلا يستطيعون العيش عليها، وهذا من رحمة الله بالعباد، {وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} [النحل:١٥] أي: لئلا تميد بكم، فالأرض ثابتة لا تتحرك، هذا من ناحية الأثر.

أما من ناحية النظر: فلو قلنا: إن جبل أحد الذي في المدينة خلف المسجد النبوي -إذا كانت الأرض تدور- انتقل من المدينة إلى مكة أي: تغير من مكانه حين ينتقل من المكان الذي كان فيه بسبب الدوران، مع أننا ما زلنا نرى جبل أحد مكانه.

أيضاً: لو أن الكرة الأرضية تدور لانقلب البعيد قريباً والقريب بعيداً.

فمثلاً: الإمارات والسعودية بينهما مسافة خمسة وثلاثين كيلو، فلو كان الطيران يصل خلال أربع ساعات فإنه بعد انتهاء الدورة سيصل في ساعتين، وما زلنا طول حياة الطائرات نأخذها في أربع ساعات، لا يتأخر الثانية الواحدة، لكن وإن كنا نخالف هذا الكلام؛ لأن العلم الحديث أثبت أن الأرض تدور ولا مخالفة لقول الله تعالى: {وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} [النحل:١٥] نقول: هو جعل الجبال الرواسي حتى لا تضطرب الأرض بمن عليها، فلا يستطيعون العيش عليها، وإنما تدور دون أن تتمايل وتضطرب بالناس.

فالغرض المقصود: أن الرجل عنده من العلم وعنده من الأثر والنظر ما يقوي اجتهاده، فإن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر، فتأتي السفيهة تقلب المعروف منكراً، وتقول: نأخذ الدين من هذا الرجل.

أنا جلست مع رجل أتكلم معه على معاملة شرعية فقلت له: هذه المعاملة لا تجوز شرعاً؛ لأنك تبيع ما لا تملك، والألباني قال في المسألة بكذا.

فرد علي بأن الشيخ الألباني يعلم في الحديث وليس له سعة بالفقه، فجلست قدر إمكاني أذب عن الرجل؛ لأن الشيخ الألباني جبل، كما قال الذهبي في البخاري لما قال ابن حزم: إن البخاري مدلس.

فقال الذهبي: أما ا