للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[القائلون بأن الإسلام والإيمان شيء واحد وأدلتهم والرد عليها]

هذا الذي تقدم من العلاقة بين الإسلام والإيمان هو ما عليه جمهور أهل العلم، بخلاف البخاري وطائفة من أهل العلم فإنهم قالوا: بل الإيمان هو الإسلام، والإسلام هو الإيمان ولا فرق بينهما.

واستدلوا على ذلك بأدلة كثيرة جداً، وأقوى هذه الأدلة هو قول الله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات:٣٥ - ٣٦] فذكر الإيمان أولاً ثم ذكر في نهاية الآية الإسلام مع أن البيت واحد وهو بيت لوط عليه السلام، فدل على أن الإيمان يساوي الإسلام، والإسلام يساوي الإيمان ولا فرق بينهما، والرد عليهم من ثلاثة وجوه: الوجه الأول: اختلف الأصوليون فيما إذا اختلف المقطوع به مع المظنون به، فما الذي يقدم؟

و

الجواب

يقدم المقطوع به طبعاً، وعندنا أدلة قاطعة بنص صريح أن الإيمان يختلف عن الإسلام كما في الحديث الصحيح: (جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أخبرني عن الإسلام فقال: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وتقيم الصلاة) إلى آخر الأعمال الظاهرة، قال: (فأخبرني عن الإيمان) وما أحاله على الإسلام، وهذا فرق قاطع بينهما بنص قاطع فقال: (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته) وهذه أعمال قلبية.

وهذه الآية الكريمة التي استدل بها الإمام البخاري وغيره التأويل فيها محتمل، فيكون دليلهم مظنوناً لا مقطوعاً، وحديث جبريل نص قاطع فيقدم المقطوع على المظنون.

الوجه الثاني: نقول: وإذا رددنا عليك بأن المقطوع يقدم على المظنون، وأن عندنا تفسيراً لهذه الآية: فأول تأويل فيه أننا نقول: إن كل مؤمن مسلم ولا عكس، فإن كان مؤمناً متصفاً بالإيمان صح وصفنا له بالإسلام، فيكون في الآية الأولى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات:٣٥] الذين هم بيت لوط عليه السلام، وقوله: {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات:٣٦] هم بيت لوط عليه السلام أيضاً، فلما كان وصفهم في لفظ الآية بالإيمان فمن باب أولى أن يصفهم بالإسلام.

والوجه الثالث: نقول: إن المؤمنين في الجزء الأول من الآية هم أناس معينون، والمسلمون في آخر الآية هم أناس آخرون، قال تعالى في الآية الأولى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات:٣٥] أي: لوط وبناته، فهم الذين آمنوا بالله جل وعلا واستسلموا له ظاهراً وباطناً، وهم المؤمنون الخلص، وقال في الثانية: {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات:٣٦] فخرجت زوجة لوط عليه السلام من الآية الأولى؛ لأنها لم تكن من المؤمنين الخلص كلوط وبناته، وناسب دخولها في الآية الثانية من حيث الظاهر؛ لأن المقصود بالإسلام فيها الشعائر والأعمال الظاهرة فقط، وبهذا يتضح جلياً أن هناك فرقاً بين الإسلام والإيمان وليس كما قال الإمام البخاري وغيره من أهل العلم رحمهم الله تعالى.

إذاً: فالصحيح الراجح أن هناك فرقاً بين الإيمان والإسلام، وأن الإيمان أعم من الإسلام.