للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المراد بالإيمان عند السلف]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:١].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:٧٠ - ٧١].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

إخواني الكرام، ما زلنا مع الإسلام والإيمان والعلاقة بينهما، وندخل بإذن الله في مسائل مهمة جداً في الإيمان.

وقد تكلمنا سابقاً عن معنى الإسلام والإيمان لغة وشرعاً، والعلاقة بينهما، وقلنا: إن الإسلام والإيمان إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا!! أي: إذا اجتمعا في الذكر افترقا في المعنى، وإذا افترقا في الذكر اجتمعا في المعنى، بمعنى: أن الإسلام والإيمان إذا جاءا معاً كان للإسلام معنى وللإيمان معنى آخر، فمعنى الإسلام: الأعمال الظاهرة، والإيمان الأعمال الباطنة، أي: الأعمال القلبية، كما جاء في بعض الأحاديث، وإن كان في إسناد بعضها كلام، فالإسلام يكون علانية والإيمان في القلب، وقلنا: إن بينهما عموم وخصوص، فكل مؤمن مسلم ولا عكس، فالإيمان عام في ذاته وخاص في ناسه، وأما الإسلام فعام في ناسه خاص في ذاته.

والآن -إن شاء الله- نتكلم بالتوسعة عن أقوال أهل العلم والسلف في الإيمان: قلنا: إن ابن عبد البر نقل إجماع أهل العلم من السلف الصالح أن الإيمان قول وعمل، ورووا عن الشافعي أنه قال: قول وعمل ونية، وعن الثوري: قول وعمل ونية واعتقاد، وقال ابن عيينة: قول وعمل واعتقاد وسنة، وقلنا: معنى قول أهل العلم: قول وعمل، أي: قول باللسان وقول بالقلب، وعمل بالقلب وعمل بالجوارح.

فقول اللسان نحو: لا إله إلا الله، قال الله تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة:١٣٦]، وفي الحديث الصحيح، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قل أمنت بالله ثم استقم)، وقال صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله)، أي: حتى يقولوا بألسنتهم، ويشهدوا أن لا إله إلا الله، وأيضاً: قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمه: (يا عم! قل كلمة واحدة أحاج لك بها عند الله)، وهذه الكلمة هي: لا إله إلا الله، فهذا هو قول اللسان.

أما قول القلب: فهو الإقرار والتصديق، أي: بأن تستيقن في قلبك أن الله هو الخالق الرازق المدبر الآمر الناهي السيد المطاع، أنه لا معبود بحق إلا الله، ولا مستحق للعبادة على الإطلاق أحد إلا الله وحده لا شريك له، قال الله تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} [الزمر:٣٣]، وقال جل وعلا: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} [الحجرات:١٥].

أي: لا شك دخل في قلوبهم، بل آمنوا بيقين تام وأقروا بربوبية الله وألوهيته، جل وعلا.

وأما وعمل القلب: فهو الإخلاص، وهو أصل أعمال القلوب، قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:٥]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، وقال صلى الله عليه وسلم، كما جاء كل ذلك في الصحيحين: (عن الله جل وعلا أنه قال: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، فمن عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه)، نعوذ بالله من الشرك ومن أدنى الرياء.

ومن أعمال القلوب: التوكل، قال الله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة:٢٣].

ومنها: المحبة، قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة:١٦٥].

وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما)، وليس هذا موضع البسط في الأعمال القلبية.

وأما عمل الجوارح، فكالصلاة والصيام، قال الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:٤٣]، قال تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران:٩٧]، أو (حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران:٩٧]، قراءتان صحيحتان.