للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرد على الدليل الثاني للخوارج]

النوع الثاني من أدلتهم: هو أن الله جعل مآل مرتكب الكبيرة إلى النار في قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة ديوث) و (لا يدخل الجنة قتات) و (لا يدخل الجنة نمام) وفي قوله: (ثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه والمنان والديوث)، وقوله صلى الله عليه وسلم في المتبرجات: (صنفان من أمتي لم أرهما، لا يدخلون الجنة ولا يجدون ريحها: صنف بأيديهم سياط، كأذناب البقر يعلون بها ظهور الناس، وكاسيات عاريات مائلات مميلات لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، رءوسهن كأسنمة البخت)، فهؤلاء لا يدخلون الجنة.

والرد عليهم: هو أن دخول الجنة دخولان: الدخول الأول: دخول أولي بغير حساب ولا عذاب؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب قيل: من هم يا رسول الله! قال: الذين لا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون)، وفي رواية قال: (ومع كل واحد منهم سبعون ألفاً، فكبر عمر، ثم قال: ويحثوا الله بكفه، ثلاث حثيات)، فالرحمن يحثوا ممن يدخلون الجنة بلا حساب، ثلاث حثيات.

وهذه زيادة صحيحة.

فهؤلاء يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، وهذا دخول أولي.

وفي حديث أظنه صحيح الإسناد: (أن الإسلام يأتي يوم القيامة فيتمثل لـ عمر بن الخطاب، فيأخذ بيده، فيحتج أمام ربه، فيقول: هذا الذي أعزني، فيأخذ بيد عمر فيدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب) وأرجو أن يكون صحيحاً، والغرض: هو بيان أن في الجنة دخولاً أولياً من غير حساب ولا عذاب!! الدخول الثاني: هو الدخول الثانوي، بعد التنظيف من الذنوب بالعذاب، حيث يدخل من غلبت سيئاتهم حسناتهم النار، حتى يحترقوا ويصيروا حمماً، فعندما يصيرون حمماً يخرجهم الله من النار، فيدخلهم في نهر اسمه نهر الحياة، فيحيون، ثم بعد ذلك يدخلهم الجنة، إذاً: فقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة نمام)، وقوله: (لا يدخل الجنة ديوث)، وقوله: (لا يدخل الجنة قتات)، وقوله في الكاسيات العاريات: (لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها) المقصود به: نفي الدخول الأولي، حيث جاءت القرائن بجيوشاً مجيشة، فأخرجت الدخول الثانوي وأبقت الدخول الأولي.

فمن هذه القرائن: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قال لا إله إلا الله مصدقاً بها قلبه دخل الجنة وإن زنا وإن سرق) وإن كان ديوثاً، بأن أراد الخبث لأهل بيته، أو شرب الخمر، لكن بشرط: أن يقولها -أي: كلمة التوحيد- صادقاً بها قلبه، أو مخلصاً لله جل وعلا.

ومن القرائن كذلك: قول الله جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ} [النساء:٤٨]، فقوله: (ما دون ذلك) أي: دون الشرك، فيدخل في ذلك النمام، والقتات، وشارب الخمر، والزاني، والسارق، والمغتاب، والديوث، وكل هؤلاء قد يدخلون في مغفرة الله جل وعلا.

فقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة ديوث) أي: لا يدخلها دخولاً أولياً، وقوله عن المتبرجات: (ولا يجدن ريحها) أي: أول الأمر، ثم بعد ذلك يجدن ريحها عندما يدخلن الجنة إن شاء الله.

نسأل الله أن يجعلنا جميعاً من أهل الجنان، مع النبي صلى الله عليه وسلم في الفردوس الأعلى، هذا هو الرد على النوع الثاني من أدلة الخوارج القائلين بتكفير مرتكب الكبيرة.