للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الجمع بين القولين]

القول الوسط: أن الحساب يذكر ويراد به عرض الأعمال على العبد، وهذا بلا ريب المراد من الحساب، فسيحاسبون قطعاً لأن الله جل وعلا سيوبخهم ويبكتهم، ويجعلهم في حسرة وندامة بعرض أعمالهم عليهم، دليل ذلك قول الله تعالى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ} [يس:٦٥]، وقول الله تعالى: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء:١٤] فهذا عرض للأعمال، ويبين الله جل وعلا للكافر هذه الأعمال ويبكته ويجعله في حسرة وندامة على ما فعل وضيع في هذه الدنيا وخاب وخسر في الآخرة.

هذا المراد بالحساب: أنه يراد به عرض الأعمال، فكل شخص يكشف له عن عمله، ويقرر ذلك بشهود من نفسه أو بأعضائه، ثم يلقى في نار جهنم.

كما يذكر الحساب ويراد به زنة الأعمال والفرق بين الحسنات والسيئات، وهذا له نظران: النظر الأول: إن أريد به كفة حسنات وكفة سيئات حتى يرى سبيله إلى النار أو إلى الجنة فقطعاً هم غير محاسبين، لم؟ لأنه لا يمكن أن يرى له سبيل إلا سبيل النار، وليس لهم سبيل إلا الخلود في نار جهنم، فإن أريد بذلك أنه سيرى وزن الحسنات والسيئات فهم غير محاسبين؛ لأنه لا سبيل لهم إلا النار.

النظر الثاني: إن أريد به أنه ينظر في السيئات وتجعل حسنات أهل الكفر هباء منثوراً فنعم، فهم لهم حسنات قد عملوها في الدنيا، من صلة الأرحام، والعطف على المسكين والبهائم، وإن كانوا أضل منهم، ويقولون: حياة الغوريلا! ويدققون النظر في حياة الغوريلا، وكيفية العطف عليها، وقربها من البشر، ثم هم يقتلون المسلمين في العراق! ويالها من قلوب طيبة تقتل الأطفال والشباب والمسلمين وتعتني بالبهائم! أي تعمية هذه على البشر بهذه الطريقة؟! فهذه الحسنات التي يقدمونها يعجل الله جل وعلا لهم بها هذه الطيبات في الدنيا، كما قال الله تعالى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} [الأحقاف:٢٠]، وأيضًا النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك، فلا حسنات لهم، فإنما تكون زنة الحسنات والسيئات لتفاوت الدرجات، وهم لا حسنات لهم، وإنما يتفاوتون في الدركات لا في الدرجات، فهم محاسبون، وبقدر ما صنع يوضع في الدرك الأولى أو الثاني ثم المنافقين في الدرك الأسفل من النار.

أما قول الله تعالى: {وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ} [الحاقة:٢٦]، فهو ليس نصاً قطعياً على أنه سيحاسب.