للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المقاصة يوم القيامة بين الحيوانات]

يوم القيامة سيقتص من العجماوات غير المكلفة، فالنبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى شاتين تنتطحان فقال لـ أبي ذر: (يا أبا ذر! أتدري لماذا تنتطحان؟ قال: لا أدري، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الله يدري وسيقضي بينهما).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله سيقتص للشاة الجلحاء -يعني: التي ليس لها قرون- من الشاة القرناء، ثم يقول للبهائم: كوني تراباً، هنالك: {يَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا} [النبأ:٤٠])، وهذا الحديث روي مرفوعاً وروي موقوفاً، فالقصاص سيكون بين الوحوش.

وقد تكلم في هذه الأحاديث الصحيحة بعض المتكلمة وأهل العقل من المعتزلة وغيرهم مثل الغزالي، والألوسي وغيرهما، أما نعيم الألوسي فسلفي معروف، وكتابه (روح المعاني) في التفسير من أنفع وأمتع الكتب، لكن له هنات وزلات في هذا الكتاب، ففيه بعض التصوف والاعتزال، وقال الغزالي عن الوحوش: لا قصاص بينها، وهذه الأحاديث إنما جاءت كناية عن العدل، فتبين عدل الله جل وعلا، واستدل على ذلك بالعقل فقال: ما من شيء إلا وله حكمة عقلية، والله جل وعلا عللها بالحكم والعقل يأبى ذلك؛ إذ إن القصاص معناه: الثواب والعقاب، ولا ثواب ولا عقاب على العجماوات، وأيضاً القصاص من التكليف ولا تكليف على العجماوات.

وهذا دليل عقلي صحيح، لكن نقول: عندنا قاعدة وهي: أنه إذا أتانا حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا قول لأحد مع حديث النبي صلى الله عليه وسلم.

والقاعدة الثانية: العقل الصحيح لا يخالف بحال من الأحوال النقل الصريح الذي صح عن النبي صلى الله عليه وسلم.

اما قوله: لا حكمة في ذلك، إذ لا ثواب ولا عقاب فنقول: بل هناك حكمة عالية جداً وهي بيان أثر اسم الله الحكيم، وأن الله من صفاته العدل، فمن كمال عدل الله جل وعلا أن يقتص من العجماوات غير المكلفة مقابلة، فما بالكم بالذين كلفوا، أيتركهم سداً وهملاً دون قصاص؟! لا والله! وهذا يفتح لأهل العقول القياس الجلي، وقياس الأولى، وهو إن كان الله جل وعلا سيقتص من القرناء للجلحاء، فمن باب الأولى أنه سيقتص من الذين أوتوا الكتاب، وأوتوا الفهوم والعقول منهم، فهذه الحكمة البليغة العالية التي ترد على أهل العقل.

وهناك إجابة ثالثة وهي: أن هذه المقاصة أو القصاص من باب المقابلة، لا من باب الثواب والعقاب.