للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تعديل الله وتزكيته للصحابة الكرام]

إن الله جل وعلا فضل هذه الأمة تفضيلاً عظيماً، فجعلها أفضل الأمم، وميزها بميزات لا تدانيها أمة في التاريخ في ذلك.

وأهم هذه الميزات أنه فضلهم برسولهم محمد صلى الله عليه وسلم فجعله سيد المرسلين وخاتم الأنبياء، وهو القدوة والإمام؛ بل سيد الخلق أجمعين صلى الله عليه وسلم، فهذه من مميزات هذه الأمة.

إن من سنن الله الكونية أنه إذا اختار رسولاً بشرياً وجعله أفضل الخلق؛ فإنه يختار له صحبة تنصره على ما يدعو إليه، وتنشر دعوته، وتعينه، وتتحمل معه المشاق.

فموسى عليه السلام تخير الله له خيرة الناس في وقته، وكذلك عيسى عليه السلام اختار الله له الحواريين لصحبته، وكانوا من أفضل أصحابه، لكن النبي صلى الله عليه وسلم اختار الله له أفضل الناس بعد الأنيباء على الإطلاق، فلا يدانيهم أحد من صحابة رسول أبداً، فهؤلاء الصحابة أعلى البشر على الإطلاق بعد الأنبياء والمرسلين، وقد اختارهم الله على علم عنده، ورباهم الرسول على عينه.

ولقد أنزل الله جل وعلا عدالة الصحابة من فوق سبع سموات؛ حيث قال جل وعلا: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [آل عمران:١١٠].

فقوله: ((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ)) فيه أن خيرية الأمة مبتدأ من صحابة رسول الله، أي: من أبي بكر إلى آخر الصحابة موتاً رضي الله عنهم وأرضاهم.

وكذلك بين الله جل وعلا عدالتهم وأنهم خير الناس، فقال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة:١٤٣]، قال المفسرون: معنى وسطاً: أي خياراً عدولا، فلا أحد أخير من صحابة رسول الله، ولا أعدل منهم، فعدلهم الله في كتابه، ونشر النبي صلى الله عليه وسلم فضائلهم في سنته، وأثنى عليهم.

ومدحهم الله جل وعلا فزكى صدقهم ويقينهم وتوكلهم وإيمانهم، فقال الله تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ} [آل عمران:١٧٢].

ثم بين الله صدق هؤلاء في التوكل عليه -لذلك جعلهم سادة وقادة ولهم الريادة- فقال الله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران:١٧٣].

بل وأرقى من ذلك: لما جاءت الجموع والأحزاب من فوقهم ومن أسفل منهم، وزاغت منهم الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، وظنوا بالله الظنونا -أي: المنافقون المتظاهرون بمظهر الصحابة الكرام- ماذا قال المؤمنون الأخيار الذين اختارهم لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم؟ قالوا كما أخبر الله عنهم: {قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} [الأحزاب:٢٢]، فزكاهم الله جل وعلا، بل وزكى صدقهم في بيعهم أنفسهم له جلا وعلا، وكل منهم يبيت ويقول: أي منا سيراق دمه تحت هذه الراية الشريفة، أي: راية لا إله إلا الله؟! وأنزل الله آيات معدلاً لهم، ومبيناً صدقهم، ومنتصراً لهم على من ناوأهم أو لمزهم أو غمزهم فقال سبحانه: ((مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ)) و (من) هنا للتبعيض، أي: هؤلاء فقط.