للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مبايعة الصحابة لأبي بكر]

أختم الكلام على أبي بكر في البيعة وما دار حولها من خلاف، وهل رسول الله استخلف أبا بكر أو أوصى بها لـ أبي بكر وقد قالت عائشة: كيف يزعمون ذلك؟! وقد مات رسول الله على فخذي أو بين سحري ونحري ولم يوص بأحد.

وقد اختلف العلماء في خلافة أبي، هل هي منصوص عليها أم بالاختيار والإجماع؟ على قولين: القول الأول: أنها بنص كما رجح ذلك الحسن البصري، وقال: إنه بالنص ولكنه مستنبط، يعني: بالنص الخفي لا الجلي.

وهذا هو الراجح الصحيح، والأدلة على ذلك كثيرة منها أولاً: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة أن لا يؤمهم أحد في الصلاة إلا أبو بكر، فقال: (مروا أبا بكر فليصل بالناس)، وكانت عائشة تخشى من ذلك؛ لأن الناس يتعجبون أن أحداً يأخذ مكانة رسول الله؟ أي: يتشاءمون.

فقالت: (مر عمر فإن أبا بكر رجل بكّاء قال: إنكن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالناس).

فقال علي رضي الله عنه الفقيه لما سألوه عن أبي بكر: رجل رضيه الله لديننا فكذا نرضاه لدنيانا.

وهذا قياس جلي أو قياس الأولى، فما رضيه النبي صلى الله عليه وسلم للدين فللدنيا يكون من باب أولى.

وفي مرضه صلى الله عليه وسلم أيضاً قال لـ عائشة: (ابعثي إلى عبد الرحمن بن أبي بكر أكتب كتاباً لا يطمع طامع في هذا الأمر - يعني مع وجود أبي بكر -ثم قال: لا، يأبى الله) أي: قدراً وكوناً مكتوب في اللوح المحفوظ فقال: (يأبى الله ويأبى المؤمنون).

أيضاً قدراً لا شرعاً، ثم قال: (إلا أبا بكر).

يعني: إلا بتولية أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه.

وأصرح من ذلك: جاءت امرأة إلى رسول الله فسألته عن مسألة فقالت: (إذا أتيت ولم أجدك من أسأل؟ قال: ائتي أبا بكر).

وهذا إشعار من رسول الله أي: كأنه يقول: إذا مت فسيكون بعدي أبو بكر رضي الله عنه.

وهذه من الأدلة التي تثبت أن النص جاء على خلافة أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه.

أما الطائفة الثانية فقالوا: لم تكن خلافة الصديق بالنص وإنما كانت بالاختيار، وحجتهم في ذلك: أن عمر بن الخطاب لما قتل قال: إن لم أستخلف فلم يستخلف من هو خير مني وهو رسول الله، وإن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني وهو أبو بكر.

فنقول: هذا مأول، ومعنى كلام عمر: أن خلافة أبي بكر لم تكن مكتوبة ومنصوصة عليها نصاً جلياً.

وقصة بني ساعدة وثقيفة لما ذهب الأنصار وأخذوا سعد بن عبادة ليبايعوه جاء أبو بكر، فقال: لا، منا وزير ومنكم وزير، ونزلوا على كلامه.

ثم قال: أرضى لكم أحد الرجلين عمر وأبو عبيدة.

وكان أبو عبيدة يمشي مع عمر! فقال -أي: أبو عبيدة -: ابسط يدك يا عمر! لأبايعك.

قال: لو قالها غيرك، كيف تقول ذلك، أؤمر عليكم وفيكم هذا الصديق؟ أأكون أنا وفيكم أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه؟ فلما قال أبو بكر: ابسط يدك يا عمر أبايعك.

قال: لا والله! لا يتقدمن عليك أحد يا أبا بكر! فقال: رضيه الله لديننا ونرضاه لدنيانا.

فبايع أبا بكر وبايع أبو عبيدة أبا بكر أيضاً، وبايع الأنصار قاطبة أبا بكر رضي الله عنه وأرضاه، وتخلف عن البيعة سعد بن عبادة وعلي بن أبي طالب، وسعد ما تخلف؛ إلا لأنه توج لأن يكون أمير المؤمنين، أو يكون خليفة رسول الله؛ لأنه لما جلس الأنصار واجتمعوا قالوا: سيدنا سيد الخزرج هو سعد بن عبادة، على أن يؤمر عليهم واستبقت منهم الكلمة على ذلك، فلما جاء أبو بكر انهال الأنصار وبايعوا أبا بكر، ولم يبايعوا سعد بن عبادة، حتى الوفود التي أتت كالنهر الجاري على الصديق ضربت سعداً، فجرح سعد وأوذي بدفع الأنصار، فقال الأنصار: قتلتم سعداً، قتلتم سعد بن عبادة.

فقال عمر من شدته في الحق المعروفة: قتله الله، ما نحن قتلناه.

وهذا له فقه، يعني: أنكم أردتم إمارته، وأراد الله إمارة أبي بكر فالله هو الذي قتله، يعني قتله: قتلاً معنوياً، إذ أن أبا بكر سيقدم عليه وهو خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.