للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تعامله مع أهل الكتاب]

من جوانب العظمة في شخصية عمر: حسن تعامله مع أهل الكتاب، فإنه كان يعرف كيف يفرق بين الناس، ويتعامل بموازين الحق مع كل البشر، فتعامل مع أهل الكتاب على حسب نوعهم كما جاء في كتاب الله جل وعلا، فإنه سبحانه وتعالى قد قسم لنا أهل الكتاب إلى ثلاثة أقسام: قسم هم أهل حرب يقاتلون أهل الإسلام، ينفقون أموالهم ليلاً ونهاراً ليصدوا عن سبيل الله، يقاتلون من قال: لا إله إلا الله، يحاربون من ينشر دعوة الله جل وعلا، فهؤلاء جاء فيهم قول الله تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ} [التوبة:١٤]، وقوله تعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة:١٩١]، وقوله جل وعلا: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} [البقرة:١٩٣]، فهؤلاء لا ينفع معهم إلا السيف، ولا ينفع معهم إلا قطع الرقاب؛ لأنهم واجهوا الله جل وعلا، وواجهوا دين الله جل وعلا، وصدوا عن سبيل الله جل وعلا، وسنرى كيف تعامل معهم عمر رضي الله عنه وأرضاه.

القسم الثاني من أهل الكتاب: هم أهل ذمة وعهد، وهؤلاء هم قوم في بلادنا -في أرض الإسلام- وتحت أيدينا، فلهم خيار من ثلاثة خيارات: إما القتل، وإما الجزية، وإما الإسلام، فإن أبوا الإسلام وقالوا: نجلس تحت أيديكم، يحكم علينا شرع الله جل وعلا، وحكمكم نافذ فينا، وأنتم تقاتلون عنا، وندفع لكم الجزية، فهؤلاء هم أهل الذمة -أهل الجزية- يدفعون الجزية، ولهم شروط كما سنبين الشروط العمرية على أهل الجزية.

القسم الثالث من أهل الكتاب: قوم هم أهل حرب على المسلمين، لكن طلبوا الأمان من أهل بلدة من بلاد الإسلام، مثل رخص الدخول من جوازات وفيز وغير ذلك مما يسمونه الآن، فهذا يعتبر عقد أمان لهم؛ لأنهم يدخلون بتصريح من ولي الأمر، فهؤلاء أهل أمان وليسوا أهل ذمة، وهم في الأصل أهل حرب، ولذلك فأمانهم لا بد أن يكون مؤقتاً لا على الديمومة، فهؤلاء يكون لهم الأمان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المسلمون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم)، فأقل واحد لا بد أن يوفي بهذه الذمة، لكن للمسلمين الاستفادة منهم، بأن يضربوا عليهم الأعشار، ويفرضوا عليهم الضرائب في تجارتهم، كما فعل عمر رضي الله عنه وأرضاه.