للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تعامله مع أهل الذمة والشروط العمرية عليهم]

ذكرنا تعامل عمر رضي الله عنه وأرضاه مع صناديد الكفر، الذين أنفقوا أموالهم ليصدوا عن سبيل الله، فكيف كان تعامل عمر مع الطائفة الثانية، التي قال الله جل وعلا فيها: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} [الممتحنة:٨]، يعني: تحسنوا المعاملة معهم، وهم أهل الذمة، أو أهل الجزية، هؤلاء هم الذين رفضوا الإسلام، ولكن رضوا بدين الله جل وعلا أن يكون حاكماً عليهم، ورضوا أن يكونوا تحت قيادة المسلمين، وأن يدفعوا الجزية؟ عمر رضي الله عنه وأرضاه وضع لهم مكانة، وبين لهم حدوداً يتعامل فيها المسلم معهم، فاشترط عليهم شروطاً أنقلها لكم إجمالاً، هذه الشروط هي: أباح لهم حرية العبادة؛ لأن الله تعالى يقول: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ} [البقرة:٢٥٦]، فأباح لهم أن يعبدوا الله جل وعلا على طريقتهم، لكنه منعهم من إظهار شعائرهم، فحرم عليهم أن يظهروا صليباً، أو يدقوا ناقوساً، أو يرتدوا زياً كزي المسلمين، وذلك حتى يتميزوا عن المسلمين، أيضاً لا يشربوا خمراً أو يبيعوها بين المسلمين، ولا يأكلوا خنزيراً علناً، لكن في بيوتهم لهم أن يفعلوا ذلك، وأن يعطوا الجزية وهم صاغرون.

فهذه هي الشروط التي اشترطها عمر، والتي سميت بالشروط العمرية، ولا تحتاج إلى البحث عن أسانيدها؛ لأن الأمة تلقتها بالقبول، وشهرتها عالية جداً، قال الخلال في كتاب (أحكام أهل الملل): عن مسروق عن عبد الرحمن بن غنم قال: اتخذت لـ عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه حين صالح النصارى -أهل الكتاب- وشرط عليهم فيه أولاً: ألا يحدثوا في مدينتهم، ولا في ما حولها ديراً ولا كنيسة، ولا بيعاً ولا صوامع، إذاً أول شرط من هذه الشروط عدم الإحداث، يعني: تبقى الكنيسة التي كانت موجودة كما هي، لكن يمنعون من إنشاء كنيسة جديدة، ومن إنشاء صوامع بيع جديدة، وإذا هدمت الكنيسة القديمة لا تنشأ مكانها كنيسة جديدة؛ لأن هذا فيه إضمار للرضا بما هم عليه من كفر، فنقول لهم: تعبدوا بطريقتكم لكن لا تعلنوا بكفركم أمام المسلمين، وكل هذا فيه قمع للدين الباطل، وإظهار للدين الحق.

الثاني: ألا يمنعوا أحداً من المسلمين من النزول في هذه الكنائس، وعليهم طعامهم وإيواؤهم، إذاً: إذا مر عليهم مسلم وجب عليهم ضيافته ثلاثة أيام، ويدخل المسلمون الكنيسة ويجلسون في ساحتها، ولهم أن يصلوا فيها، فهذا فيه جواز الصلاة في الكنائس، قال: ولا يئووا جاسوساً؛ لأنهم إذا آووا جاسوساً فقد انتقض عقد الصلح بيننا وبينهم.

قال: ولا يؤذوا مسلماً؛ لأن أذى مسلم واحد تنتقض به الذمة، قال: ولا يكتموا غشاً، يعني: لا يضمروا غشاً للمسلمين، ولا يعلموا أولادهم القرآن، ولا يضمروا شركاً، ولا يمنعوا ذوي قرابتهم من الإسلام، ولا يردونهم إلى النصرانية.

قال: وأن يوقروا المسلمين، وأن يقوموا لهم من مجالسهم، وإذا أراد المسلم الجلوس قام النصراني من مكانه وجلس المسلم، احتراماً لدينه، إذ إن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الإسلام يعلو ولا يعلى عليه).

قال: ولا يتشبهوا بالمسلمين في شيء من لباسهم، والآن المسلم هو الذي يتشبه بالكافر، ولا حول ولا قوة إلا بالله! قال: ولا يتسموا بكنى المسلمين، ولا يركبوا فرساً، ولا يتقلدوا سيفاً، حتى لا يظهروا قوتهم، ولا يظهروا كبراً، ولا مكانة أمام المسلمين، ولا يبيعوا لحم الخنازير، وأن يشدوا الزنار على أوساطهم، ولا يظهروا شيئاً من كتبهم بين المسلمين، إلى آخر هذه الشروط التي اشترطها عمر بن الخطاب، وقد ضرب هذه الشروط، فإن اختل شرط واحد منها فقد انتقضت الذمة، وأصبحوا من المحاربين، ولا بد أن يبلغوا مأمنهم، ثم يشهر في وجوههم السيف.